هذه الأرزاق - ككل شيء - مقدرة في علم الله ، تابعة لأمره ومشيئته ، يصرفها حيث يشاء وكما يريد ، في الوقت الذي يريده حسب سنته التي ارتضاها ، وأجراها في الناس والأرزاق :
( وإن من شيء إلا عندنا خزائنه ، وما ننزله إلا بقدر معلوم ) . .
فما من مخلوق يقدر على شيء أو يملك شيئا ، إنما خزائن كل شيء - مصادره وموارده - عند الله . في علاه . ينزله على الخلق في عوالمهم ( بقدر معلوم )فليس من شيء ينزل جزافا ، وليس من شيء يتم اعتباطا .
ومدلول هذا النص المحكم : ( وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم ) يتجلى بوضوح أكثر كلما تقدم الإنسان في المعرفة ، وكلما اهتدى إلى أسرار تركيب هذا الكون وتكوينه . ومدلول( خزائنه ) يتجلى في صورة أقرب بعدما كشف الإنسان طبيعة العناصر التي يتألف منها الكون المادي ؛ وطبيعة تركيبها وتحليلها - إلى حد ما - وعرف مثلا أن خزائن الماء الأساسية هي ذرات الايدروجين والأكسوجين ! وأن من خزائن الرزق المتمثل في النبات الأخضر كله ذلك الآزوت الذي في الهواء ! وذلك الكربون وذلك الأكسجين المركب في ثاني أكسيد الكربون ! وتلك الأشعة التي ترسل بها الشمس أيضا ! ومثل هذا كثير يوضح دلالة خزائن الله التي توصل الإنسان إلى معرفة شيء منها . . وهو شيء على كثرته قليل قليل . . .
[ وقوله ]{[16112]} { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنزلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ }
يخبر ، تعالى ، أنه مالك كل شيء ، وأن كل شيء سهل عليه ، يسير لديه ، وأن{[16113]} عنده خزائن الأشياء من جميع الصنوف ، { وَمَا نُنزلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ } كما يشاء وكما يريد ، ولما لَهُ في ذلك من الحكمة البالغة ، والرحمة بعباده ، لا على [ وجه ]{[16114]} الوجوب ، بل هو كتب على نفسه الرحمة .
قال يزيد بن أبي زياد ، عن أبي جحيفة ، عن عبد الله : ما من عام بأمطر من عام ، ولكن الله يقسمه حيث شاء{[16115]} عامًا هاهنا ، وعامًا هاهنا . ثم قرأ : { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنزلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ } رواه ابن جرير{[16116]}
وقال أيضا : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسن{[16117]} حدثنا هُشَيْم ، أخبرنا إسماعيل بن سالم ، عن الحكم بن عُتَيْبَة{[16118]} في قوله : { وَمَا نُنزلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ } قال : ما{[16119]} عام بأكثر مطرًا من عام ولا أقل ، ولكنه يُمطر قوم ويحرم آخرون وربما{[16120]} كان في البحر . قال : وبلغنا أنه ينزل مع المطر من الملائكة أكثر من عدد ولد إبليس وولد آدم ، يُحصُون كل قطرة حيث تقع وما تنبت{[16121]} {[16122]}
وقال البزار : حدثنا داود - وهو ابن بكر{[16123]} التُّسْتُري - حدثنا حبَّان{[16124]} بن أغلب بن تميم ، حدثني أبي ، عن هشام ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خزائن الله الكلام ، فإذا أراد شيئا قال له : كن ، فكان " {[16125]}
ثم قال : لا يرويه إلا أغلب ، ولم يكن بالقوي ، وقد حدث عنه غير واحد من المتقدمين ، ولم يروه عنه إلا ابنه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.