المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ} (44)

44- فادعواه إلي الإيمان بي في رفق ولين ، راجين أن يتذكر ما غفل عنه من الإيمان ، ويخشى عاقبة كفره وطغيانه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ} (44)

( فقولا له قولا لينا )فالقول اللين لا يثير العزة بالإثم ؛ ولا يهيج الكبرياء الزائف الذي يعيش به الطغاة . ومن شأنه أن يوقظ القلب فيتذكر ويخشى عاقبة الطغيان .

اذهبا إليه غير يائسين من هدايته ، راجيين أن يتذكر ويخشى . فالداعية الذي ييأس من اهتداء أحد بدعوته لا يبلغها بحرارة ، ولا يثبت عليها في وجه الجحود والإنكار .

وإن الله ليعلم ما يكون من فرعون . ولكن الأخذ بالأسباب في الدعوات وغيرها لا بد منه . والله يحاسب الناس على ما يقع منهم بعد أن يقع في عالمهم . وهو عالم بأنه سيكون . فعلمه تعالى بمستقبل الحوادث كعلمه بالحاضر منها والماضي في درجة سواء .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ} (44)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لّيّناً لّعَلّهُ يَتَذَكّرُ أَوْ يَخْشَىَ * قَالاَ رَبّنَآ إِنّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَىَ } .

يقول تعالى ذكره لموسى وهارون : فقولا لفرعون قولاً ليّنا . ذُكر أن القول اللين الذي أمرهما الله أن يقولاه له ، هو أن يكنياه .

حدثني جعفر ابن ابنة إسحاق بن يوسف الأزرق ، قال : حدثنا سعيد بن محمد الثقفي ، قال : حدثنا عليّ بن صالح ، عن السديّ : " فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيّنا " قال : كنياه .

وقوله : " لَعَلّهُ يَتَذَكّرُ أوْ يَخْشَى " اختلف في معنى قوله : لَعَلّهُ في هذا الموضع ، فقال بعضهم معناها ههنا الاستفهام ، كأنهم وجهوا معنى الكلام إلى : فقولا له قولا لينا ، فانظرا هل يتذكر ويراجع أو يخشى الله فيرتدع عن طغيانه . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : " لَعَلّهُ يَتَذَكّرُ أوْ يَخْشَى " يقول : هل يتذكر أو يخشى .

وقال آخرون : معنى لعلّ ههنا كي . ووجّهوا معنى الكلام إلى اذهبَا إلى فِرْعَوْنَ إنّهُ طَغَى فادعواه وعظاه ليتذكر أو يخشى ، كما يقول القائل : اعمل عملك لعلك تأخذ أجرك ، بمعنى : لتأخذ أجرك ، وافرغ من عملك لعلنا نتغدّى ، بمعنى : لنتغدى ، أو حتى نتغدى ، ولكلا هذين القولين وجه حسن ، ومذهب صحيح .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ} (44)

والقول اللين قالت فرقة : معناه كنياه{[2]} وقالت فرقة بل أمرهما بتحسين الكلمة .

قال القاضي أبو محمد : وهذا هو الوجه ، وذلك أن كل من يريد دعاء إنسان إلى أمر يكرهه فإنما الوجه أن يحرر في عبارته الذي يريد حتى لا يخل به ولا يخر منه ، ثم يجتهد بعد ذلك في أن تكون عبارة لطيفة ومقابلته لينة وذلك أجلب للمراد فأمر الله تعالى موسى وهارون أن يسلكا مع فرعون إكمال الدعوة في لين من القول . وقوله { لعله } معناه على رجائكما وطمعكما فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر .


[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ} (44)

القول الليّنُ : الكلام الدال على معاني الترغيب والعرض واستدعاء الامتثال ، بأن يظهر المتكلّم للمخاطب أنّ له من سداد الرأي ما يتقبّل به الحق ويميّز به بين الحق والباطل مع تجنب أن يشتمل الكلام على تسفيه رأي المخاطب أو تجهيله .

فشبه الكلام المشتمل على المعاني الحسنة بالشيء الليّنِ .

واللين ، حقيقة من صفات الأجسام ، وهو : رطوبة ملمس الجسم وسهولة ليّه ، وضد الليّن الخشونة . ويستعار الليّن لسهولة المعاملة والصفح . وقال عمرو بن كلثوم :

فإن قناتنا يا عَمْرو أعيَت *** على الأعداءِ قبلَكَ أن تلينا

واللين من شعار الدعوة إلى الحق ، قال تعالى : { وجادلهم بالتي هي أحسن } [ النحل : 125 ] وقال : { فبما رحمة من الله لِنتَ لهم } [ آل عمران : 159 ] . ومن اللين في دعوة موسى لفرعون قوله تعالى : { فقل هل لك إلى أن تَزّكّى وأهديَك إلى ربك فتخشى } [ النازعات : 18 ، 19 ] وقوله : { والسلام على من اتبّع الهدى } [ الكهف : 47 ] ، إذ المقصود من دعوة الرسل حصول الاهتداء لا إظهار العظمة وغلظة القول بدون جدوى .

فإذا لم ينفع اللين مع المدعوّ وأعرض واستكبر جاز في موعظته الإغلاظ معه ، قال تعالى : { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن إلاّ الذين ظلموا منهم } [ العنكبوت : 46 ] ، وقال تعالى عن موسى : { إنّا قد أوحي إلينا أن العَذاب على من كذّب وتولّى } [ طه : 48 ] .

والتّرجي المستفاد من ( لعلّ ) إما تمثيل لشأن الله في دعوة فرعون بشأن الراجي ، وإما أن يكون إعلاماً لموسى وفرعون بأن يرجوَا ذلك ، فكان النطق بحرف الترجي على لسانهما ، كما تقول للشخص إذا أشرت عليه بشيء : فلعلّه يصادفك تيْسير ، وأنت لا تريد أنّك ترجو ذلك ولكن بطلب رجاء من المخاطب . وقد تقدمت نظائره في القرآن غير مرّة .

والتذكّر : من الذُّكر بضم الذال أي النظر ، أي لعلّه ينظر نظر المتبصّر فيعرف الحق أو يخشى حلولَ العقاب به فيُطيع عن خشية لا عن تبصر . وكان فرعون من أهل الطغيان واعتقاد أنه على الحق ، فالتذكر : أن يعرف أنه على الباطل ، والخشيةُ : أن يتردد في ذلك فيخشى أن يكون على الباطل فيحتاط لنفسه بالأخذ بما دعاه إليه موسى .

وهنا انتهى تكليم الله تعالى موسى عليه السلام .