السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ} (44)

{ فقولا له قولاً ليناً } أي : مثل { هل لك إلى أن تزكى 18 وأهديك إلى ربك فتخشى } [ النازعات : 18 ، 19 ]

فإنه دعوة في صورة عرض ومشورة ، فإن قيل : لم أمر الله تعالى باللين مع الكافر الجاحد ؟ أجيب : بأنّ عادة الجبار إذا أغلظ عليه في الوعظ يزداد عتوّاً وتكبراً فأمر باللين حذراً من أن تحمله الحماقة على أن يسطو عليهما واحتراماً لما له من حق التربية وقيل : كنياه وكان له ثلاث كنى أبو العباس وأبو الوليد وأبو مرّة وقيل : عداه شباباً لا هرم بعده وملكاً لا يزول إلا بالموت وأن تبقى له لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته وإذا مات دخل الجنة فأعجبه ذلك وكان لا يقطع أمراً دون هامان وكان غائباً فلما قدم أخبره بالذي دعاه إليه موسى وقال أردت أن أقبل منه فقال له هامان كنت أرى أنّ لك عقلاً ورأياً أنت رب تريد أن تكون مربوباً وأنت تعبد تريد أن تعبد فغلبه على رأيه وقوله تعالى : { لعله يتذكر أو يخشى } متعلق باذهبا أو قولا أي : باشرا الأمر على رجائكما وطمعكما مباشرة من يرجو ويطمع أن يثمر عمله ولا يخيب سعيه فهو يجتهد بطوقه ويسعى بأقصى وسعه ، قال الزمخشري : ولا يستقيم أن يراد ذلك في حق الله تعالى إذ هو عالم بعواقب الأمور ، وعن سيبويه كل ما ورد في القرآن من لعل وعسى فهو من الله واجب بمعنى أنه يستحيل بقاء معناه في حق الله تعالى وقال الفرّاء : إن لعلّ بمعنى كي فتفيد العلية كما تقول اعمل لعلك تأخذ أجرتك .

فائدة : قرأ رجل عند يحيى بن معاذ { فقولا له قولاً لينا } فبكى يحيى وقال إلهي هذا برك بمن يقول أنا الإله فكيف برك بمن يقول أنت الإله فإن قيل : ما الفائدة في إرسالهما والمبالغة عليهما في الاجتهاد مع علمه تعالى بأنه لا يؤمن ؟ أجيب : بأنّ ذلك الإلزام الحجة وقطع المعذرة وإظهار ما حدث في تضاعيف ذلك من الآيات والتذكر للمتحقق والخشية للمتوهم ولذلك قدّم الأوّل أي : إن لم يتحقق صدقكما ولم يتذكر فلا أقل من أن يتوهمه فيخشى . ويروى عن كعب أنه قال : والذي يحلف به كعب إنه لمكتوب في التوراة { فقولا له قولاً ليناً } وسأقسي قلبه فلا يؤمن ولقد تذكر فرعون وخشي حين لم تنفعه الذكرى والخشية ، وذلك حين ألجمه الغرق قال : { آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين } [ يونس ، 90 ] .