قوله : { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً } قرأ أبو معاذ{[24478]} " قَوْلاً لَيْناً " وهو تخفيف من لَيِّن كَمَيْت في ميِّت{[24479]} .
وقوله : " لَعَلَّهُ " فيه أوجه :
أحدها : أن " لَعَلَّ " على بابها للترجي ، وذلك بالنسبة إلى المرسل وهو موسى وهارون ، أي اذهبا على رجائكما وطمعكما في إيمانه أي{[24480]} اذهبا مترجَيْن طامعَيْن ، وهذا معنى قول الزمخشري{[24481]} ولا يستقيم أن يرد ذلك في حق الله{[24482]} تعالى ، إذ هو{[24483]} عالم بعواقب الأمور . وعن سيبويه : كل ما ورد في القرآن من ( لَعَلَّ ، وَعَسَى ) فهو من عند الله واجب . يعني أنه يستحيل بقاء{[24484]} معناه في حق الله تعالى .
والثاني : أنَّ " لَعَلَّ " بمعنى ( كَيْ ) فتفيد العلية ، وهذا قول الفراء قال : كما تقول : اعْمَلْ لَعَلَّكَ تأخذُ أجرَكَ ، أي : كي تأخذَ{[24485]} .
والثالث : أنها استفهامية ، أي : هل يتذكر أو يخشى{[24486]} ؟
وهذا قول ساقط ، وذلك أنه يستحيل الاستفهام في حق الله تعالى كما يستحيل الترجي ، فإذا كان لا بد من التأويل فجَعْلُ اللفظ على مدلوله باقياً أولى من إخراجه عنه .
فإن قيل : لِمَ أمر الله تعالى باللين مع الكافر الجاحد ؟ فالجواب من وجهين :
أحدهما{[24487]} : أنه قد ربَّى موسى -عليه السلام-{[24488]} فأمره أن يخاطبه بالرفق رعاية لتلك الحقوق ، وهاذ تنبيه على نهاية تعظيم حق الأبوين .
والثاني : أنَّ من عادة الجبابرة إذا غُلِّظ{[24489]} لهم{[24490]} في الوعظ{[24491]} أن يزدادوا عتواً وتكبُّراً .
والمقصود من البعثة حصول النفع لا حصول زيادة الضرر ، فلهذا أمر الله تعالى بالرفق{[24492]} .
قوله : { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى } أي يتعظ ويخاف .
اختلفوا في ذلك القول اللين{[24493]} ، فقال ابن عباس : لا تعنِّفا في قولكما{[24494]} .
وقال السُّدِّي وعكرمة : كَنَّياه ، فقولا : يا أبا العباس . وقيل : يا أبا الوليد{[24495]} .
وقال مقاتل : القول الليِّن : { هَل لَّكَ إلى أَن تزكى وَأَهْدِيَكَ إلى رَبِّكَ فتخشى{[24496]} }{[24497]} ، وقولهما{[24498]} : { فقولا إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ }{[24499]} إلى قوله : { والسلام على مَنِ اتبع الهدى }{[24500]} .
وقال السدي{[24501]} : القول اللِّين أن موسى أتاه ووعده على قبول الإيمان شباباً لا يهرم ، ومُلْكاً لا ينزعُ منه إلا بالموت ، وتبقى عليه لذة المطعم{[24502]} ، والمشرب ، والمنكح إلى حين موته ، وإذا مات دخل الجنة . فأعجبه{[24503]} ذلك ، وكان لا يقطع أمراً دون هامان ، وكان غائباً ، فلما قَدِم أخبره بالذي{[24504]} دعاه إليه موسى ، قال : أردتُ أنْ أقبل مِنْه . فقال له هامان : كنت أرى عقلاً ورأياً ، أنت ربٌّ تريد أن تكون مربوباً ، وأنت تُعْبَدُ تريدُ{[24505]} أن تَعْبُدَ ، فقلبه عن رأيه{[24506]} .
قال ابن الخطيب : هذا التكليف لا يعلم سره إلا الله تعالى ، لما{[24507]} علم أنه لا يؤمن قط كان{[24508]} إيمانه ضداً لذلك العلم الذي يمتنع زواله ، فيكون سبحانه عالماً بامتناع ذلك الإيمان ، وإذا كان عالماً بذلك ، فكيف أمر موسى بذلك الرفق ، وكيف بالغ في الأمر بتلطف دعوته{[24509]} إلى الله -تعالى- مع علمه باستحالة حصول{[24510]} ذلك منه ؟ ثم هَبْ أن المعتزلة ينازعون{[24511]} في هذا الامتناع من غير أن يذكروا شبهة قادحة في{[24512]} هذا السؤال ، ولكنهم سلموا أنه كان عالماً بأن لا يحصل ذلك الإيمان ، وسلموا أن فرعون لا يستفيد ببعثة موسى -عليه السلام{[24513]}- إلا استحقاق العذاب ، والرحيم الكريم كيف يليق به أن يدفع سكيناً من عَلِمَ قَطعاً أنه يمزق به بطن نفسه{[24514]} ، ثم يقول : إني ما أردت بدفع السكين إليه{[24515]} إلا الإحسان إليه ؟ يا أخي : العقولُ قاصرةٌ عن معرفة هذه الأسرار ، ولا سبيل فيها إلا التسليم ، وترك الاعتراض والسكوت بالقلب واللسان ، ويروى عن كعب أنه قال : والذي يحلف به كعب إنه لمكتوب{[24516]} في التوراة " فَقُولاَ لَهُ قََوْلاً لَيِّناً وسَأقْسي قلبَه فلا يؤمن " {[24517]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.