الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ} (44)

{ فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً } قال ابن عباس : لا تعنّفا في قولكما ولا تغلّظا ، وقال السدّي وعكرمة : كنّياه قولا له : يا أبا العباس ، وقيل : يا أبا الوليد .

وقال مقاتل : يعني بالقول اللين هل لك إلى أن تزكّى وأهديك إلى ربّك فتخشى .

وقال أهل المعاني : معناه الطُفا له في قولكما فإنّه ربّاك وأحسن تربيتك وله عليك حقّ الأُبوّة فلا تجبهه بمكروه في أوّل قدومك عليه ، يقال : وعده على قبول الإيمان شباباً لا يهرم وملكاً لا يُنزع عنه إلاّ بالموت ، ويبقى عليه لذّة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته .

قال المفسّرون : وكان هارون يومئذ بمصر فأمر الله عزّ وجلّ أن يأتي هو وهارون ، وأوحى إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى فتلقّاه إلى مرحلة وأخبره بما أُوحي إليه فقال له موسى : إن الله سبحانه أمرني أن آتي فرعون فسألت ربّي عزّ وجلّ أن يجعلك معي .

وقوله { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } أي يسلم .

فإن قيل : كيف قال : لعله يتذكر أو يخشى وعلمه سابق في فرعون أنّه لا يتذكّر ولا يخشى ؟ .

قال الحسين بن الفضل : هو مصروف إلى غير فرعون ، ومجازه : لكي يتذكّر متذكّر أو يخشى خاش إذا رأى برّي وإلطافي بمن خلقته ورزقته ، وصححت جسمه وأنعمت عليه ثم ادّعى الربوبية دوني .

وقال أبو بكر محمد بن عمر الورّاق : لعلّ ها هنا من الله واجب ، ولقد تذّكر فرعون حيث لم تنفعه الذكرى والخشية ، وذلك قوله حين ألجمَهُ الغرقُ في البحر { آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [ يونس : 90 ] .

سمعت أبا القاسم الحسين بن محمد بن حبيب يقول : سمعت أبي يقول سمعت علىّ بن محمد الوراق يقول : سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول وقرأ هذه الآية : هذا رفقك بمن يقول : أنا الإله ، فكيف رفقك بمن يقول : أنت الإله ؟

قال أبو القاسم الحسين فبنيت عليه ألفاظاً اقتديت به فيها فقلت : هذا رفقك بمن ينافيك فكيف رفقك بمن يصافيك ؟

هذا رفقك بمن يعاديك فكيف رفقك بمن يواليك ؟

هذا رفقك بمن يسبّك فكيف رفقك بمن يحبّك ؟

هذا رفقك بمن يقول لك نِدّاً فكيف رفقك بمن يقول فرداً ؟

هذا رفقك بمن ضلّ فكيف رفقك بمن ذل ؟

هذا رفقك بمن اقترف فكيف رفقك بمن اعترف ؟

هذا رفقك بمن أصرَّ فكيف رفقك بمن أقرَّ ؟

هذا رفقك بمن استكبر فكيف رفقك بمن استغفر ؟