بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ} (44)

{ فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً } ، يعني : كلاماً باللين والشفقة والرفق ، لأن الرؤساء بكلام اللين أقرب إلى الانقياد من الكلام العنيف . أي : قولا له : أيها الملك ، ويقال : { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً } لوجوب حقه عليك بما رباك ، وإن كان كافراً .

وروى أسباط عن السدي قال : القول اللين أن موسى جاءه ، فقال له : تسلم وتؤمن بما جئت به وتعبد رب العالمين ، على أن لك شباباً لا تهرم أبداً ، ويكون لك ملك لا ينزع منك أبداً حتى تموت ، ولا ينزع منك لذة الطعام والشراب والجماع أبداً حتى تموت ؛ فإذا مت دخلت الجنة . قال : فكأنه أعجبه ذلك وكان لا يقطع أمراً دون هامان ، وكان هامان غائباً فقال له فرعون : إن لي من أوامره وهو غائب حتى يقدم . فلم يلبث أن قدم هامان فقال له فرعون : علمت بأن ذلك الرجل أتاني ؟ فقال هامان : ومن ذلك الرجل ؟ فقال فرعون : هو موسى . قال : فما قال ؟ فأخبره بالذي دعاه إليه . قال : فما قلت له ؟ قال : لقد دعاني إلى أمر أعجبني . فقال له هامان : قد كنت أرى لك عقلاً وأن لك رأياً بيناً أنت رب ، أفتريد أن تكون مربوباً ، وبينا أنت تعبد أفتريد أن تعبد غيرك ؟ فغلبه على رأيه فأبى .

ثم قال تعالى : { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى } ، يعني : يتعظ أو يسلم . وقال الزجاج : لعل في اللغة للترجي والتطمع ، يقول : لعله يصير إلى خير . والله سبحانه وتعالى خاطب العباد بما يعقلون ، والمعنى عند سيبوبه اذهبا على رجائكما وطمعكما ، وقد علم الله تعالى أنه لا يتذكر ولا يخشى ؛ إلا أن الحجة إنما تجب بإبائه ؛ وقال بعض الحكماء : إذا أردت أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، فعليك باللين لأنك لست بأفضل من موسى وهارون ، ولا الذي تأمره بالمعروف ليس بأسوأ من فرعون ؛ وقد أمرهما الله تعالى بأن يأمراه باللين ، فأنت أولى أن تأمر وتنهى باللين .