78- واذكر - أيها النبي - داود وسليمان حين كانا يحكمان في الزرع ، إذ انتشرت فيه غنم القوم من غير أصحابه وأكلته ليلا ، وكنا لحكمهما في القضية المتعلقة به عالمين{[133]} .
ثم يفصل بعض الشيء في حلقة من قصة داود وسليمان :
( وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم ؛ وكنا لحكمهم شاهدين . ففهمناها سليمان . وكلا آتينا حكما وعلما . وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير . وكنا فاعلين . وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم ، فهل أنتم شاكرون ? ) .
ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها ، وكنا بكل شيء عالمين . ومن الشياطين من يغوصون له ، ويعملون عملا دون كذلك ، وكنا لهم حافظين . .
وقصة الحرث التي حكم فيها داود وسليمان يقول الرواة في تفصيلها : إن رجلين دخلا على داود ، أحدهما صاحب حرث أي حقل وقيل حديقة كرم - والآخر صاحب غنم . فقال صاحب الحرث : إن غنم هذا قد نفشت في حرثي - أي انطلقت فيه ليلا - فلم تبق منه شيئا . فحكم داود لصاحب الحرث أن يأخذ غنم خصمه في مقابل حرثه . . ومر صاحب الغنم بسليمان ؛ فأخبره بقضاء داود . فدخل سليمان على أبيه فقال : يا نبي الله إن القضاء غير ما قضيت . فقال : كيف ? قال : ادفع الغنم إلى صاحب الحرث لينتفع بها ، وادفع الحرث إلى صاحب الغنم ليقوم عليه حتى يعود كما كان . ثم يعيد كل منهما إلى صاحبه ما تحت يده . فيأخذ صاحب الحرث حرثه ، وصاحب الغنم غنمه . . فقال داود : القضاء ما قضيت . وأمضي حكم سليمان .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبّحْنَ وَالطّيْرَ وَكُنّا فَاعِلِينَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واذكر داود وسليمان يا محمد إذ يحكمان في الحرث .
واختلف أهل التأويل في ذلك الحرث ما كان ؟ فقال بعضهم : كان نبتا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن إسحاق ، عن مرّة في قوله : إذْ يَحْكُمانِ فِي الحَرْثِ قال : كان الحرث نبتا .
حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد عن قَتادة ، قال : ذكر لنا أن غنم القوم وقعت في زرع ليلاً .
وقال آخرون : بل كان ذلك الحرث كَرْما . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا المحاربيّ ، عن أشعث ، عن أبي إسحاق ، عن مرّة ، عن ابن مسعود ، في قوله : وَدَاوُدَ وَسُلَيْمانَ إذْ يَحْكُمانِ فِي الحَرْثِ قال : كَرْم قد أنبت عناقيده .
حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن مسروق ، عن شريح ، قال : كان الحرث كَرْما .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما قال الله تبارك وتعالى : إذْ يَحْكُمانِ فِي الحَرْثِ والحرث : إنما هو حرث الأرض . وجائز أن يكون ذلك كان زرعا ، وجائز أن يكون غَرْسا ، وغير ضائر الجهل بأيّ ذلك كان .
وقوله : إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنمُ القَوْمِ يقول : حين دخلت في هذا الحرث غنم القوم الاَخرين من غير أهل الحرث ليلاً ، فرعته أو أفسدته . وكُنّا لحِكْمِهِمْ شاهِدِينَ يقول : وكنا لحكم داود وسليمان والقوم الذين حَكَما بينهم فيما أفسدت غنم أهل الغنم من حرث أهل الحرث ، شاهدين لا يخفى علينا منه شيء ، ولا يغيب عنا علمه .
المعنى «واذكر داود وسليمان » هكذا قدره جماعة من المفسرين .
قال القاضي أبو محمد : ويحتمل عندي ويقوي أن يكون المعنى وآتينا داود عطفاً على قوله تعالى : { ولوطاً آتيناه حكماً وعلماً } [ الأنبياء : 74 ] والمعنى على هذا التأويل متسق ، { وسليمان } هو ابن داود { وداود } من بني إسرائيل وكان{[8243]} ملكاً عدلاً نبياً يحكم بين الناس فوقعت بين يديه هذه النازلة ، وكان ابنه إذ ذاك قد كبر وكان يجلس على الباب الذي يخرج منه الخصوم وكانوا يدخلون إلى داود على باب آخر فتخاصم إلى داود عليه السلام رجل له زرع وقيل كرم ع و { الحرث } يقال فيهما وهو في الرزع أبعد عن الاستعارة ، دخلت حرثه غنم رجل آخر فأفسدت عليه ، فرأى داود عليه السلام أن يدفع الغنم إلى صاحب الحرث ، فقالت فرقة على أن يبقى كرمه بيده ، وقالت فرقة بل دفع الغنم إلى صاحب الحرث ، والحرث إلى صاحب الغنم ع فيشبه على هذا القول الواحد أنه رأى الغنم تقاوم الغلة التي أفسدت ، وعلى القول الثاني رآها تقاوم الحرث وغلته ع ولا يظن بداود عليه السلام إلا أن حكمه بنظر متوجه فلما خرج الخصمان على سليمان عليه السلام تشكى له صاحب الغنم فجاء سليمان إلى داود فقال با نبي الله إنك حكمت بكذا وإني رأيت ما هو أوفق بالجميع ، قال وما هو ، قال أن يأخذ صاحب الغنم الحرث يقوم عليه ويصلحه حتى يعود كما كان ويأخذ صاحب الحرث الغنم في تلك المدة ينتفع بمرافقها من لبن وصوف ونسل وغير ذلك فإذا كمل الحرث وعاد إلى حاله صرف كل واحد مال صاحبه فرجعت الغنم إلى ربها ، والحرث إلى ربه ، فقال داود : وفقت يا بني وقضى بينهما بذلك . ع ولا شك أن سليمان رأى أن ما يتحمله صاحب الغنم من فقد مرافق غنمه تلك المدة ومن مؤونة إصلاح الحرث يوازي ما فسد في الحرث وفضل حكمه حكم أبيه في أنه أحرز أن يبقى ملك كل واحد منهما على متاعه وتبقى نفسه بذلك طيبة ع وذهبت فرقة إلى أن هذه النازلة لم يكن الحكم فيها باجتهاد وإنما حكم داود بوحي وحكم سليمان بوحي نسخ الله تعالى به حكم داود وجعلت فرقة ومنها ابن فورك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.