المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَدَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ إِذۡ يَحۡكُمَانِ فِي ٱلۡحَرۡثِ إِذۡ نَفَشَتۡ فِيهِ غَنَمُ ٱلۡقَوۡمِ وَكُنَّا لِحُكۡمِهِمۡ شَٰهِدِينَ} (78)

المعنى «واذكر داود وسليمان » هكذا قدره جماعة من المفسرين .

قال القاضي أبو محمد : ويحتمل عندي ويقوي أن يكون المعنى وآتينا داود عطفاً على قوله تعالى : { ولوطاً آتيناه حكماً وعلماً } [ الأنبياء : 74 ] والمعنى على هذا التأويل متسق ، { وسليمان } هو ابن داود { وداود } من بني إسرائيل وكان{[8243]} ملكاً عدلاً نبياً يحكم بين الناس فوقعت بين يديه هذه النازلة ، وكان ابنه إذ ذاك قد كبر وكان يجلس على الباب الذي يخرج منه الخصوم وكانوا يدخلون إلى داود على باب آخر فتخاصم إلى داود عليه السلام رجل له زرع وقيل كرم ع و { الحرث } يقال فيهما وهو في الرزع أبعد عن الاستعارة ، دخلت حرثه غنم رجل آخر فأفسدت عليه ، فرأى داود عليه السلام أن يدفع الغنم إلى صاحب الحرث ، فقالت فرقة على أن يبقى كرمه بيده ، وقالت فرقة بل دفع الغنم إلى صاحب الحرث ، والحرث إلى صاحب الغنم ع فيشبه على هذا القول الواحد أنه رأى الغنم تقاوم الغلة التي أفسدت ، وعلى القول الثاني رآها تقاوم الحرث وغلته ع ولا يظن بداود عليه السلام إلا أن حكمه بنظر متوجه فلما خرج الخصمان على سليمان عليه السلام تشكى له صاحب الغنم فجاء سليمان إلى داود فقال با نبي الله إنك حكمت بكذا وإني رأيت ما هو أوفق بالجميع ، قال وما هو ، قال أن يأخذ صاحب الغنم الحرث يقوم عليه ويصلحه حتى يعود كما كان ويأخذ صاحب الحرث الغنم في تلك المدة ينتفع بمرافقها من لبن وصوف ونسل وغير ذلك فإذا كمل الحرث وعاد إلى حاله صرف كل واحد مال صاحبه فرجعت الغنم إلى ربها ، والحرث إلى ربه ، فقال داود : وفقت يا بني وقضى بينهما بذلك . ع ولا شك أن سليمان رأى أن ما يتحمله صاحب الغنم من فقد مرافق غنمه تلك المدة ومن مؤونة إصلاح الحرث يوازي ما فسد في الحرث وفضل حكمه حكم أبيه في أنه أحرز أن يبقى ملك كل واحد منهما على متاعه وتبقى نفسه بذلك طيبة ع وذهبت فرقة إلى أن هذه النازلة لم يكن الحكم فيها باجتهاد وإنما حكم داود بوحي وحكم سليمان بوحي نسخ الله تعالى به حكم داود وجعلت فرقة ومنها ابن فورك .


[8243]:أي داود عليه السلام.