فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَدَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ إِذۡ يَحۡكُمَانِ فِي ٱلۡحَرۡثِ إِذۡ نَفَشَتۡ فِيهِ غَنَمُ ٱلۡقَوۡمِ وَكُنَّا لِحُكۡمِهِمۡ شَٰهِدِينَ} (78)

{ و } اذكر { داود وسليمان } أي قصتهما { إذ يحكمان } أي وقت حكمهما ، والمراد من ذكرهما ذكر خبرهما { في } شأن { الحرث } قيل كان زرعا وهو أشبه بالعرف ، وقيل كرما وعليه أكثر المفسرين ، وبه قال ابن عباس واسم الحرث يطلق عليهما ، قال مرة : كان الحرث تبنا .

{ إذ نفشت } قال ابن السكيت : النّفش بالتحريك أن تنشر الغنم بالليل من غير راع أي تفرقت وانتشرت ، ورعت بأن انفلتت { فيه غنم القوم } أي غنم بعض القوم من أمة داوود { وكنا لحكمهم } أي لحكم الحاكمين ، وفيه جواز إطلاق الجمع على الاثنين ، وهو مذهب طائفة من أهل العربية كالزمخشري والرضي وتقدمهما إلى القول به الفراء ، وإنما وقع الجمع موقع التثنية مجازا أو لأن التثنية جمع وأقل الجمع اثنان وتدل عليه قراءة لحكمهما .

وقيل المراد الحاكمان والمحكوم عليه فهؤلاء جماعة وفيه الجمع بين الحقيقة والمجاز ، فإن الحقيقة إضافة المصدر لفاعله ، والمجاز إضافته لمفعوله ، ومعنى { شاهدين } حاضرين } ، والجملة اعتراضية .

وقد روى البيهقي في سننه عن ابن مسعود ، ولفظه قال : كرم قد أنبتت عناقيده فأفسدته الغنم فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم ؛ فقال سليمان : غير هذا يا نبي الله ، قال : وما ذاك ؟ قال : يدفع الكرم إلى صاحب الغنم ، فيقوم عليه حتى يعود كما كان ، وتدفع الغنم إلى صاحب الغنم فيصيب منها حتى إذا عاد الكرم كما كان ، دفعت الكرم إلى صاحبه والغنم إلى صاحبها فذلك قوله .