اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَدَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ إِذۡ يَحۡكُمَانِ فِي ٱلۡحَرۡثِ إِذۡ نَفَشَتۡ فِيهِ غَنَمُ ٱلۡقَوۡمِ وَكُنَّا لِحُكۡمِهِمۡ شَٰهِدِينَ} (78)

قوله تعالى : { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ } الآية . تقدم الكلام على الإعراب{[29060]} .

واعلم{[29061]} أَنَّ المقصود ذكر نعم الله على داود وسليمان ، فذكر أولاً النعمة المشتركة بينهما ثم ذكر ما يخصّ كل واحد منهما من النعم . أما النعمة المشتركة فهي قصة الحكومة ، وهو أن الله زينهما بالعلم والفهم في قوله{[29062]} : { وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً }{[29063]} {[29064]} قال أكثر المفسرين : المراد بالحرث الزرع{[29065]} . وقال ابن مسعود وابن عباس : كان الحرث كرماً قد تدلت عناقيده{[29066]} . { إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ القوم } أي رعته ليلاً فأفسدته ؛ والنَّقْشُ : الرعي بالليل . قاله ابن السكيت{[29067]} ، وهو قول جمهور المفسرين . والنَّفْشُ : الانتشار ، ومنه { كالعهن المنفوش }{[29068]} ونفشت الماشية أي : رعت ليلاً بغير راع ، عكس الهَمَل وهو رعيها نهاراً بلا راع{[29069]} . وعن الحسن : أنَّ النفش هو الرعي بلا راع كان أو نهاراً .

قوله : { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } في الضمير المضاف إليه «حُكْم » أوجه :

أحدها : أنه ضمير جمع يراد به المثنى ، وإنما وقع الجمع موقع التثنية مجازاً ، أو لأن التثنية جمع وأقل الجمع اثنان ، ويدل على أنَّ المراد التثنية قراءة ابن عباس «لِحُكْمِهما »{[29070]} بصيغة التثنية{[29071]} .

الثاني : أنَّ المصدر مضاف للحاكمين والمحكوم عليه ، فهؤلاء جماعة{[29072]} .

وهذا يلزم منه إضافة المصدر لفاعله ومفعوله دفعة واحدة ، وهو إنما يضاف لأحدهما فقط . وفيه الجمع{[29073]} بين الحقيقة والمجاز ، فإن الحقيقة إضافة المصدر لفاعله ، والمجاز إضافته لمفعوله .

الثالث : أنَّ هذا مصدر لا يراد به الدلالة على علاج ، بل جيء به للدلالة على أنَّ هذا الحدث وقع وصدر كقولهم : له ذكاء الحكماء ، وفهم فهم الأذكياء فلا ينحل بحرف{[29074]} مصدري وفعل ، وإذا كان كذلك فهو مضاف في المعنى للحاكم والمحكوم له والمحكوم عليه{[29075]} ، ويندفع المحذوران المذكوران{[29076]} .


[29060]:تقدم قريبا.
[29061]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/194-195.
[29062]:في ب: و.
[29063]:الآية [79] من السورة نفسها.
[29064]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 22/194-195.
[29065]:انظر الفخر الرازي 22/195.
[29066]:انظر القرطبي 11/307.
[29067]:إصلاح المنطق (41).
[29068]:من قوله تعالى: {وتكون الجبال كالعهن المنفوش} [القارعة: 5].
[29069]:اللسان (نفش، همل).
[29070]:في ب: كحكمهما. وهو تحريف.
[29071]:انظر معاني القرآن للفراء 2/208، الكشاف 3/17، البيان 2/163، التبيان 2/923، البحر المحيط 6/331.
[29072]:انظر البيان 2/163، التبيان 2/923.
[29073]:في الأصل: الفرق. وهو تحريف.
[29074]:في الأصل: الحرف.
[29075]:انظر البحر المحيط 6/330-331.
[29076]:في الوجه الثاني.