{ يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ } التي اقترحوا نزولها { لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ } وذلك أنهم لا يرونها مع استمرارهم على جرمهم وعنادهم إلا لعقوبتهم وحلول البأس بهم ، فأول ذلك عند الموت إذا تنزلت عليهم الملائكة قال الله تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } ثم في القبر حيث يأتيهم منكر ونكير فيسألهم عن ربهم ونبيهم ودينهم فلا يجيبون جوابا ينجيهم فيحلون بهم النقمة ، وتزول عنهم بهم الرحمة ، ثم يوم القيامة حين تسوقهم الملائكة إلى النار ثم يسلمونهم لخزنة جهنم الذين يتولون عذابهم ويباشرون عقابهم ، فهذا الذي اقترحوه وهذا الذي طلبوه إن استمروا على إجرامهم لا بد أن يروه ويلقوه ، وحينئذ يتعوذون من الملائكة ويفرون ولكن لا مفر لهم .
{ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ }
المعنى في هذه الآية أن الكفار لما قالوا { لولا أُنزل علينا الملائكة } [ الفرقان : 21 ] ، أخبر الله تعالى أنهم { يوم يرون الملائكة } إنما هو يوم القيامة ، وقد كان أول الآية يحتمل أن يريد يوم تفيض أرواحهم ، لكن آخرها يقتضي أن الإشارة إلى يوم القيامة ، وأمر العوامل في هذه الظروف بين إذا تأمل فاختصرناه لذلك ، ومعنى هذه الآية أن هؤلاء الذين تمنّوا نزول الملائكة لا يعرفون ما قدر الله في ذلك فإنهم { يوم يرون الملائكة } هو شر لهم و { لا بشرى } لهم بل لهم الخسار ولقاء المكروه و { يومئذ } ، خبر { لا بشرى } لأن الظروف تكون إخباراً عن المصادر .
الضمير في قوله { ويقولون } ، قال الحسن وقتادة والضحاك ومجاهد هو ل { لملائكة } ، المعنى وتقول الملائكة للمجرمين { حجراً محجوراً } عليكم البشرى ، أي حراماً محرماً . والحجر الحرم ومنه قول المتلمس جرير بن عبد المسيح : [ البسيط ] .
حنت إلى النخلة القصوى فقلت لها . . . حجر حرام الا تلك الدهاريس{[8807]}
وقال مجاهد أيضاً وابن جريج إن الضمير في قوله { ويقولون } هو للكفار المجرمين قال ابن جريج كانت العرب إذا كرهوا شيئاً قالوا حجراً ، قال مجاهد { حجراً } عوذاً ، يستعيذون من الملائكة{[8808]} .
قال الفقيه الإمام القاضي : ويحتمل أن يكون المعنى ويقولون حرام محرم علينا العفو ، وقد ذكر أبو عبيدة أن هاتين اللفظتين عوذة للعرب يقولها من خاف آخر في الحرم أو في شهر حرام إذا لقيه وبينهما ترة .
قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا المعنى هو مقصد بيت المتلمس الذي تقدّم ، أي هذا الذي حننت إليه ممنوع . وقرأ الحسن وأبو رجاء «حُجراً » بضم الحاء ، والناس على كسرها .
استئناف ثان جواب عن مقالتهم ، فبعد إبداء التعجيب منها عُقّب بوعيد لهم ، فيه حصول بعض ما طلبوا حصوله الآن ، أي هم سيرون الملائكة ولكنها رؤية تسوءهم حين يرون زبانية العذاب يسوقونهم إلى النار ، ففي هذا الاستئناف تلميح وتهكم بهم لأن ابتداءَه مطمع بالاستجابة وآخرَه مؤيس بالوعيد ، فالكلام جرى على طريقة الغَيبة لأنه حكاية عن تورّكهم ، والمقصود إبلاغه لهم حين يَسمعونه . وانتصب { يوم يرون } على الظرفية لِ { لاَ بُشرى } . وتقديم الظرف للاهتمام به لإثارة الطمع وللتشويق إلى تعيين إبانه حتى إذا ورد ما فيه خيبة طمعهم كان له وقع الكآبة على نفوسهم حينما يسمعونه . وإعادة { يومئذٍ } تأكيد .
وذِكر وصف المجرمين إظهار في مقام الإضمار للتسجيل عليهم بأنهم مجرمون بعد أن وصفوا بالكفر والظلم واليأس من لقاء الله . وانتفاءُ البشرى مستعمل في إثبات ضده وهو الحزن .
و ( حجر ) بكسر الحاء وسكون الجيم ، ويقال بفتح الحاء وضمها على الندرة فهي كلمة يقولونها عند رؤية ما يُخاف من إصابته بمنزلة الاستعاذة . قال الخليل وأبو عبيدة : كان الرجل إذا رأى الرجل الذي يَخاف منه أن يقتله في الأشهر الحرم يقول له : { حِجْراً محجوراً } ، أي حَرام قتلي ، وهي عوذة .
و ( حجر ) مصدر : حجَره ، إذا منعه ، قال تعالى { وحرث حِجر } [ الأنعام : 138 ] ، وهو في هذا الاستعمال لازم النصب على المفعول المطلق المنصوب بفعل مضمر مثل : معاذ الله ، وأمّا رفعه في قول الرّاجز :
قالت فيها حيدة وذُعْر *** عَوْذ بربي منكمُ وحُجْر
فهو تصرف فيه ، ولعله عند سيبويه ضرورة لأنه لم يذكر الرفع في استعمال هذه الكلمات في هذا الغرض وهو الذي حكاه الراجز . وأمّا رفع ( حجر ) في غير حالة استعماله للتعوذ فلا مانع منه لأنه الأصل ، وقد جاء في القرآن منصوباً لا على المفعولية المطلقة في قوله تعالى : { وجعل بينهما برزخاً وحِجْراً محجوراً } [ الفرقان : 53 ] ، فإنه معطوف على مفعول { جعل } وسننبه عليه قريباً .
و { محجوراً } وصف ل { حجراً } مشتق من مادته للدلالة على تمكن المعنى المشتق منه كما قالوا : ليل أليل ، وذيل ذائل ، وشِعْر شاعر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.