المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَـٰٓئِكَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَيۡءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْۚ وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (72)

72- إن الذين صدَقوا بالحق وأذعنوا لحكمه ، وهاجروا من مكة ، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ، والذين آووهم في غربتهم ، ونصروا رسول اللَّه يقاتلون من قاتله ، ويعادون من عاداه ، بعضهم نصراء بعض في تأييد الحق وإعلاء كلمة اللَّه على الحق . والذين لم يهاجروا ، لا يثبت لهم شيء من ولاية المؤمنين ونصرتهم ، إذ لا سبيل إلى ولايتهم حتى يهاجروا ، وإن طلبوا منكم النصر على من اضطهدوهم في الدين ، فانصروهم . فإن طلبوا النصر على قوم معاهدين لكم لم ينقضوا الميثاق معكم ، فلا تجيبوهم ، واللَّه بما تعملون بصير لا يخفي عليه شيء ، فقفوا عند حدوده لئلا تقعوا في عذابه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَـٰٓئِكَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَيۡءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْۚ وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (72)

{ 72 ْ } { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ْ }

هذا عقد موالاة ومحبة ، عقدها اللّه بين المهاجرين الذين آمنوا وهاجروا في سبيل اللّه ، وتركوا أوطانهم للّه لأجل الجهاد في سبيل اللّه ، وبين الأنصار الذين آووا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأعانوهم في ديارهم وأموالهم وأنفسهم ، فهؤلاء بعضهم أولياء بعض ، لكمال إيمانهم وتمام اتصال بعضهم ببعض .

{ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ْ } فإنهم قطعوا ولايتكم بانفصالهم عنكم في وقت شدة الحاجة إلى الرجال ، فلما لم يهاجروا لم يكن لهم من ولاية المؤمنين شيء . لكنهم { وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ ْ } أي : لأجل قتال من قاتلهم لأجل دينهم { فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ْ } والقتال معهم ، وأما من قاتلوهم لغير ذلك من المقاصد فليس عليكم نصرهم .

وقوله تعالى : { إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ ْ } أي : عهد بترك القتال ، فإنهم إذا أراد المؤمنون المتميزون الذين لم يهاجروا قتالهم ، فلا تعينوهم عليهم ، لأجل ما بينكم وبينهم من الميثاق .

{ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ْ } يعلم ما أنتم عليه من الأحوال ، فيشرع لكم من الأحكام ما يليق بكم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَـٰٓئِكَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَيۡءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْۚ وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (72)

مقصد هذه الآية وما بعدها تبيين منازل المهاجرين والأنصار والمؤمنين الذين لم يهاجروا ، والكفار والمهاجرين بعد الحديبية ، وذكر نسب بعضهم من بعض ، فقدم أولاً ذكر المهاجرين وهم أصل الإسلام ، وانظر تقديم عمر لهم في الاستشارة و «هاجر » معناه أهله وقرابته وهجروه ، { وجاهدوا } معناه أجهدوا أنفسهم في حرب من أجهد نفسه في حربهم ، { والذين آووا ونصروا } هم الأنصار ، وآوى معناه هيأ مأوى وهوالملجأ والحرز ، فحكم الله على هاتين الطائفتين بأن { بعضهم أولياء بعض } ، فقال كثير من المفسرين : هذه الموالاة هي المؤازرة والمعاونة واتصال الأيدي ، وعليه فسر الطبري الآية ، وهذا الذي قالوا لازم من دلالة اللفظ ، وقال ابن عباس وقتادة ومجاهد وكثير منهم إن هذه الموالاة هي في الميراث ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار ، وكانت بين الأنصار أخوة النسب وكانت أيضاً بين بعض المهاجرين فكان المهاجريّ إذا مات ولم يكن له بالمدينة ولي مهاجريّ وورثه أخوه الأنصاري ، وإن كان له ولي مسلم لم يهاجر ، وكان المسلم الذي لم يهاجر لا ولاية بينه وبين قريبه المهاجري لا يرثه ، قال ابن زيد : واستمر أمرهم كذلك إلى فتح مكة ، ثم توارثوا بعد ذلك لما لم تكن هجرة .

قال القاضي أبو محمد : فذهبت هذه الفرقة إلى أن هذا هو مقصد الآية ، ومن ذهب إلى أنها في التآزر والتعاون فإنما يحمل نفي الله تعالى ولايتهم عن المسلمين على أنها صفة الحال لا أن الله حكم بأن لا ولاية بين المهاجرين وبينهم جملة ، وذلك أن حالهم إذا كانوا متباعدي الأقطار تقتضي أن بعضهم إن حزبه حازب لا يجد الآخر ولا ينتفع به فعلى هذه الجهة نفي الولاية ، وعلى التأويلن ففي الآية حض للأعراب على الهجرة ، قاله الحسن بن أبي الحسن ، ومن رأى الولاية في الموارثة فهو حكم من الله ينفي الولاية في الموارثة ، قالوا : ونسخ ذلك قوله تعالى { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض }{[5487]} ، وقرأ جمهور السبعة والناس «وَلايتهم » بفتح الواو والوَلاية أيضاً بفتح الواو{[5488]} ، وقرأ الكسائي «وَلايتهم » بفتح الواو والوِلاية بكسر الواو ، وقرأ الأعمش وابن وثاب «وِلايتهم » والوِلاية بكسر الواو وهي قراءة حمزة ، قال أبو علي والفتح أجود لأنها في الدين ، قال أبو الحسن الأخفش والكسر فيها لغة وليست بذلك ولحن الأصمعي والأعمش{[5489]} وأخطأ عليه لأنها إذا كانت لغة فلم يلحن .

قال القاضي أبو محمد : لا سيما ولا يظن به إلا أنه رواها ، قال أبو عبيدة : الوِلاية بالكسر هي من وليت الأمر إليه فهي من السلطان ، والولاية هي من المولى ، يقال مولى بين الوَلاية بفتح الواو ، وقوله { وإن استنصروكم } يعني إن استدعى هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا نصركم على قوم من الكفرة فواجب عليكم نصرهم إلا إن استنصروكم على قوم كفار قد عاهدتموهم أنتم وواثقتموهم على ترك الحرب فلا تنصروهم عليهم لأن ذلك عذر ونقض للميثاق وترك لحفظ العهد والوفاء به ، والقراءة «فعليكم النصرُ » برفع الراء ، ويجوز «فعليكم النصر » على الإغراء ، ولا أحفظه قراءة ، وقرأ جمهور الناس «والله بما تعملون » على مخاطبة المؤمنين ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي والأعرج «بما يعملون » بالياء على ذكر الغائب .


[5487]:- ستأتي بعد ثلاث آيات، فهي الآية (75) من هذه السورة.
[5488]:- يريد [الولاية] في قوله تعالى في الآية (44) من سورة (الكهف): {هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا}.
[5489]:- هكذا في جميع النسخ المخطوطة، ولكن من الواضح أنها "الأخفش" فالكلام عنه، ويؤيد ذلك ما قاله في "البحر" ونصه: "ولحن الأصمعي الأخفش في قراءته بالكسر وأخطأ في ذلك لأنها قراءة متواترة"، وكلام ابن عطية يؤيد هذا حين يقول: "لأنها إذا كانت لغة فلم يلحن"، والذي قال إنها لغة هو الأخفش.