ولما أمره بما فيه كمال نفسه ، أمره بتكميل غيره فقال : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ } .
الذين هم أقرب الناس إليك ، وأحقهم بإحسانك الديني والدنيوي ، وهذا لا ينافي أمره بإنذار جميع الناس ، كما إذا أمر الإنسان بعموم الإحسان ، ثم قيل له " أحسن إلى قرابتك " فيكون هذا خصوصا{[584]} دالا على التأكيد ، وزيادة الحق ، فامتثل صلى الله عليه وسلم ، هذا الأمر الإلهي ، فدعا سائر بطون قريش ، فعمم وخصص ، وذكرهم ووعظهم ، ولم يُبْق صلى الله عليه وسلم من مقدوره شيئا ، من نصحهم ، وهدايتهم ، إلا فعله ، فاهتدى من اهتدى ، وأعرض من أعرض .
وأمره بنذارة عشيرته تخصيصاً لهم إذ العشيرة مظنة المقاربة والطواعية . وإذ يمكنه معهم من الإغلاظ عليهم ما لا يحتمله غيره فإن البر بهم في مثل هذا الحمل عليهم والإنسان غير متهم على عشيرته . وكان هذا التخصيص مع الأمر العام بنذارة العالم . وروي عن ابن جريج أن المؤمنين من غير عشيرته في ذلك الوقت نالهم من هذا التخصيص وخروجهم منه فنزلت { واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين } ، ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه النذارة عظم موقع الأمر عليه وصعب ولكنه تلقاه بالجلد ، وصنع أشياء مختلفة كلها بحسب الأمر ، فمن ذلك أنه أمر علياً رضي الله عنه بأن يصنع طعاماً وجمع عليه بني جده عبد المطلب وأراد نذارتهم ودعوتهم في ذلك الجمع وظهر منه عليه السلام بركة في الطعام ، قال علي وهم يومئذ أربعون رجلاً ينقصون رجلاً أو يزيدونه ، فرماه أبو لهب بالسحر فوجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وافترق جمعهم من غير شيء ، ثم جمعهم كذلك ثانية وأنذرهم ووعظهم فتضاحكوا ولم يجيبوا{[1]} ، ومن ذلك أنه نادى عمه العباس وصفية عمته وفاطمة ابنته وقال لهم : «لا أغنى عنكم من الله شيئاً إني لكم نذير بين يدي عذاب شديد » في حديث مشهور{[2]} ، ومن ذلك أنه صعد على الصفا أو أبي قبيس ونادى «يا بني عبد مناف واصباحاه » فاجتمع إليه الناس من أهل مكة فقال يا بني فلان حتى أتى على بطون قريش جميعاً ، فلما تكامل خلق كثير من كل بطن . قال لهم «رأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل تريد الغارة عليكم أكنتم مصدقي » قالوا نعم ، فإنا لم نجرب عليك كذباً ، فقال لهم «فإني لكم نذير بين يدي عذاب شديد » ، فقال له أبو لهب ألهذا جمعتنا تباً لك سائر اليوم فنزلت { تبت يدا أبي لهب }{[3]} [ المسد : 1 ] السورة ، و «العشيرة » قرابة الرجل وهي في الرتبة تحت الفخذ وفوق الفصيلة ، وخفض الجناح استعارة معناه لين الكلمة وبسط الوجه والبر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.