اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ} (214)

قوله تعالى : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين } . روى عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه{[38058]} - قال : لما نزلت هذه الآية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين } دعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : «يا عليّ ، إنَّ اللَّه أمرني أَنْ أنذر عشيرتي الأقربين ، وضقت بذلك ذرعاً ، وعرفت أني متى أناديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره ، فصمت عليها حتى جاءني جبريل فقال : يا محمد : إلاَّ تفعل ما تؤمر يعذبك ربك ، فاصنع لنا صاعاً من طعام ، واجعل عليه رجل شاة ، واملأ لنا عُسًّا{[38059]} من لبن ، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أبلغهم ما أمرت به » . ففعلت ما أمرني به ، ثم دعوتهم له وهم يؤمئذٍ أربعون رجلاً ، يزيدون رجلاً أو ينقصونه ، فيهم أعمامه : أبو طالب ، وحمزة ، والعباس ، وأبو لهب ، فلما اجتمعوا دعاني بالطعام الذي صنعت ، فجئت به ، فلما وضعته تناول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جَذْبَةً{[38060]} من اللحم ، فشقها بأسنانه ، ثم ألقاها في نواحي الحصفة ، ثم قال : خذوا باسم الله ، فأكل القوم حتى ما لهم بشيء حاجة ، وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل مثل ما قدمت لجميعهم ، ثم قال : اسْقِ القومَ . فجئت بذلك العُسّ فشربوا حتى رووا جميعاً ، وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله ، فلما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكلمهم بَدَرهُ{[38061]} أبو لهب فقال : سحركم صاحبكم : فتفرق القوم ، ولم يكلمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : الغد يا علي ، إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول ، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم ، فأعدّ لنا من الطعام مثل ما صنعت ثم اجمعهم ففعلت ، ثم دعاني بالطعام فقدمته ، ففعل كما فعل بالأمس ، فأكلوا وشربوا ، ثم تكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا بني عبد المطلب : إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيكم يؤازرني{[38062]} على أمري ويكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟ فأحجم{[38063]} القوم عنها جميعها ، فقلت وأنا أحدثهم سنّاً : أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه ، قال : فأخذ برقبتي ثم قال : إنَّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب . قد أمرك أن تسمع لعلي وتطيع{[38064]} .

وعن ابن عباس قال : لما نزلت : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين } خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى صعد الصفا ، فهتف : يا صَبَاحَاه ، فقالوا : من هذا ؟ فاجتمعوا{[38065]} إليه ، فقال : «أرأيتم إنْ أَخبرتكم أن خَيْلاً تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مُصَدِّقِيَّ » ؟ قالوا : ما جَرَّبْنَا عليك كذباً . قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد . فقال أبو لهب : تبّاً لك{[38066]} ما جمعتنا إلا لهذا ، ثم قام ، فنزلت { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ }{[38067]} [ المسد : 1 ] .


[38058]:في ب: كرم الله وجهه.
[38059]:العسُّ: القدح الضخم، وقيل: هو أكبر من الغمر، وهو إلى الطول، يروي الثلاثة والأربعة والعدَّة، والرِّفد أكبر منه والجمع عساسٌ وعسسةٌ. اللسان (عسس).
[38060]:الجذبة: القطعة. ففي اللسان (جذب): يقال: بيني وبين المنزل جذبة أي: قطعة، يعني: بعدٌ، ويقال: جذبةٌ من غزلٍ، للمجذوب منه مرةً.
[38061]:بدرت إلى الشيء أبدر بدوراً: أسرعت، وكذلك بادرت إليه، وتبادر القوم أسرعوا، وابتدروا السلاح: تبادروا إلى أخذه، وبادر الشيء مبادرة وبداراً وابتدره وبدر غيره إليه يبدره: عاجله، وبدرني الأمر وبدر إليّ: عجل إليّ واستبق. اللسان (بدر).
[38062]:وازره على الأمر: أعانه وقواه. اللسان (وزر).
[38063]:أحجم عن الأمر: كف أو نكص هيبة. اللسان (حجم).
[38064]:أخرجه ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي. انظر البغوي 6/244-245، الدر المنثور 5/97.
[38065]:في ب: واجتمعوا.
[38066]:التَّبُّ: الخسار، والتَّباب: الخسران والهلاك، وتبًّا له على الدعاء، نصب، لأنه مصدر محمول على فعله، كما تقول: سقياً لفلان، معناه سقي فلان سقياً. اللسان (تبب).
[38067]:أخرجه البخاري (تفسير) 3/171، 179، 222 الترمذي (تفسير) 5/121، أحمد 1/281، 307.