السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ} (214)

روى محمد بن إسحاق بسنده عن عليّ رضي الله عنه أنه قال لما نزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم { وأنذر عشيرتك الأقربين } دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عليّ إنّ الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ، وضقت بذلك ذرعاً ، وعرفت أني متى أناديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره ، فصمت عليها حتى جاءني جبريل فقال يا محمد إلا تفعل ما تؤمر يعذبك ربك فاصنع لي صاعاً من طعام واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عساً من لبن ، ثم اجمع بني عبد المطلب حتى أبلغهم ما أمرت به ففعلت ما أمرني به ، ثم دعوتهم إليه وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب ، فلما اجتمعوا دعاني بالطعام الذي صنعته فجئت به فلما وضعته تناول صلى الله عليه وسلم جذبة من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصفحة ، ثم قال كلوا بسم الله فأكل القوم حتى ما لهم بشيء من حاجة ، وايم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل مثل ما قدّمت لجميعهم ، ثم قال اسق القوم فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا جميعاً وايم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله ، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم بادره أبو لهب فقال سحركم محمد صاحبكم فتفرّق القوم ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال يا عليّ إنّ هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول فتفرّق القوم قبل أن أكملهم فأعد لنا الطعام مثل ما صنعت ثم اجمعهم ، ففعلت ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقدمته ففعل كما فعل بالأمس فأكلوا وشربوا ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا بني عبد المطلب إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على أمري ويكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم فأحجم القوم عنها جميعاً ، فقلت وأنا أحدثهم سناً : أنا يا رسول الله أكون وزيرك عليه قال فأخذ برقبتي ثم قال : إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا وأطيعوا فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لعليّ وتطيع .

وعن ابن عباس : لما نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين } خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فجعل ينادي : يا بني فهر يا بني عديّ لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدّقي قالوا : نعم ما جرّبنا عليك إلا الصدق قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، قال أبو لهب تباً لك ما جمعتنا إلا لهذا ، ثم قام فنزلت { تبّت } أي : خسرت { يدا أبي لهب وتب ( 1 ) ما أغنى عنه ماله وما كسب } ( المسد : 1 2 ) وفي رواية فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف يا صباحاه فقالوا من هذا ؟ فاجتمعوا إليه فقال : أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدّقي » إلى آخر ما مرّ .

وعن أبي هريرة قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله هذه الآية فقال يا معشر قريش أو كلمة نحوها ، اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئاً يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً ويا فاطمة بنت محمد سلي ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً » .

وروى أبو يعلى عن الزبير بن العوام : «أنّ قريشاً جاءته فحذرهم وأنذرهم فسألوه آيات سليمان في الريح وداود في الجبال وعيسى في إحياء الموتى ونحو ذلك وأن يسير الجبال ويفجر الأنهار ويجعل الصخرة ذهباً فأوحى الله تعالى إليه وهم عنده فلما سري عنه أخبرهم أن أعطي ما سألوه ولكنه إن أراهم فكفروا عوجلوا ، فاختار صلى الله عليه وسلم الصبر عليهم ليدخلهم الله باب الرحمة فلما كانت النذارة إنما هي للمشركين ، أمر بضدّها لأضدادهم » بقوله تعالى : { واخفض جناحك } .