نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ} (214)

قوله : { وأنذر } أي بهذا القرآن { عشيرتك } أي قبيلتك { الأقربين* } أي الأدنين في النسب ، ولا تحاب أحداً ، فإن المقصود الأعظم به النذارة لكف الخلائق عما يثمر الهلاك من اتباع الشياطين الذين اجتالوهم عن دينهم بعد أن كانوا حنفاء كلهم ، وإنذار الأقربين يفهم الإنذار لغيرهم من باب الأولى ، ويكسر من أنفة الأبعد للمواجهة بما يكره ، لأنه سلك به مسلك الأقرب ، ولقد قام صلى الله عليه وسلم بهذه الآية حق القيام ؛ روى البخاري " عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزلت صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي : يا بني فهر يا بني عدي لبطون - قريش حتى اجتمعوا ، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو ، فجاء أبو لهب وقريش ، فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيََّ ؟ قالوا : نعم ! ما جربنا عليك إلا صدقاً ، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فقال أبو لهب : تباً لك سائر اليوم ، ألهذا جمعتنا ؟ فنزلت { تبت يدا أبي لهب وتب } " وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال : " يا معشر قريش ! اشتروا أنفسكم ، لا أغني عنكم من الله شيئاً ، يابني عبد مناف ! لا أغني عنكم من الله شيئاً ! يا عباس بن عبد المطلب ! لا أغني عنك من الله شيئاً ، ويا صفية عمة رسول الله ! لا أغني عنك من الله شيئاً ، ويا فاطمة بنت محمد ! سليني ما شئت من مالي ، لا أغني عنك من الله شيئاً " وروى القصة أبو يعلى عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أن قريشاً جاءته فحذرهم وأنذرهم ، فسألوه آيات سليمان في الريح وداود في الجبال وموسى في البحر وعيسى في إحياء الموت ، وأن يسير الجبال ، ويفجر الأنهار ، ويجعل الصخر ذهباً ، فأوحى الله إليه وهم عنده ، فلما سُرِّيَ عنه أخبرهم أنه أعطي ما سألوه ، ولكنه إن أراهم فكفروا عجلوا . فاختار صلى الله عليه وسلم الصبر عليهم ليدخلهم الله باب الرحمة .