المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ فِيهَآ أَنۡهَٰرٞ مِّن مَّآءٍ غَيۡرِ ءَاسِنٖ وَأَنۡهَٰرٞ مِّن لَّبَنٖ لَّمۡ يَتَغَيَّرۡ طَعۡمُهُۥ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ خَمۡرٖ لَّذَّةٖ لِّلشَّـٰرِبِينَ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ عَسَلٖ مُّصَفّٗىۖ وَلَهُمۡ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ وَمَغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡۖ كَمَنۡ هُوَ خَٰلِدٞ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيمٗا فَقَطَّعَ أَمۡعَآءَهُمۡ} (15)

15- تعرض الآية لبيان الفارق بين نعيم الجنة وعذاب النار فنتحدث عن الجنة التي وعد الله بها المتقين : فيها أنهار من ماء غير متغير ، وأنهار من لبن لم يفسد طعمه ، وأنهار من خمر لذة للشاربين ، وأنهار من عسل مصفي مما يخالطه . ولهم فيها أنواع من كل الثمرات ، ومغفرة عظيمة من ربهم . فهل حال من يستمعون بهذا النعيم من المؤمنين كحال من يخلدون في النار من الكفار الذين يسقون من ماء شديد الحرارة ، فقطع أمعاءهم{[204]} .


[204]:توجه الآية الكريمة الأنظار إلى أن الماء الآسن الراكد المتغير ماء ضار، وقد قررت الآية الكريمة ذلك قبل كشف المناظير المكبرة ـ ميكروسكوب ـ بقرون عدة، حيث تبين أن الماء الراكد المتغير مستودع لملايين البكتريا الضارة وغيرها من الطفيليات التي تصيب الناس والأنعام بأمراض شتى.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ فِيهَآ أَنۡهَٰرٞ مِّن مَّآءٍ غَيۡرِ ءَاسِنٖ وَأَنۡهَٰرٞ مِّن لَّبَنٖ لَّمۡ يَتَغَيَّرۡ طَعۡمُهُۥ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ خَمۡرٖ لَّذَّةٖ لِّلشَّـٰرِبِينَ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ عَسَلٖ مُّصَفّٗىۖ وَلَهُمۡ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ وَمَغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡۖ كَمَنۡ هُوَ خَٰلِدٞ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيمٗا فَقَطَّعَ أَمۡعَآءَهُمۡ} (15)

{ 15 } { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ }

أي : مثل الجنة التي أعدها الله لعباده ، الذين اتقوا سخطه ، واتبعوا رضوانه ، أي : نعتها وصفتها الجميلة .

{ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ } أي : غير متغير ، لا بوخم ولا بريح منتنة ، ولا بمرارة ، ولا بكدورة ، بل هو أعذب المياه وأصفاها ، وأطيبها ريحا ، وألذها شربا .

{ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ } بحموضة ولا غيرها ، { وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ } أي : يلتذ به شاربه لذة عظيمة ، لا كخمر الدنيا الذي يكره مذاقه ويصدع الرأس ، ويغول العقل .

{ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى } من شمعه ، وسائر أوساخه .

{ وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ } من نخيل ، وعنب ، وتفاح ، ورمان ، وأترج ، وتين ، وغير ذلك مما لا نظير له في الدنيا ، فهذا المحبوب المطلوب قد حصل لهم .

ثم قال : { وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ } يزول بها عنهم المرهوب ، فأي هؤلاء خير أم من هو خالد في النار التي اشتد حرها ، وتضاعف عذابها ، { وَسُقُوا } فيها { مَاءً حَمِيمًا } أي : حارا جدا ، { فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ }

فسبحان من فاوت بين الدارين والجزاءين ، والعاملين والعملين .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ فِيهَآ أَنۡهَٰرٞ مِّن مَّآءٍ غَيۡرِ ءَاسِنٖ وَأَنۡهَٰرٞ مِّن لَّبَنٖ لَّمۡ يَتَغَيَّرۡ طَعۡمُهُۥ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ خَمۡرٖ لَّذَّةٖ لِّلشَّـٰرِبِينَ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ عَسَلٖ مُّصَفّٗىۖ وَلَهُمۡ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ وَمَغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡۖ كَمَنۡ هُوَ خَٰلِدٞ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيمٗا فَقَطَّعَ أَمۡعَآءَهُمۡ} (15)

{ مثل الجنة التي وعد المتقون } أي فيما قصصنا عليك صفتها العجيبة . وقيل مبتدأ خبره : { كمن هو خالد في النار } وتقدير الكلام أمثل أهل الجنة كمثل من هو خالد ، أو أمثل الجنة كمثل جزاء من هو خالد فعري عن حرف الإنكار وحذف ما حذف استغناء يجري مثله تصويرا لمكابرة من يسوي بين المتمسك بالبينة والتابع للهوى ، بمكابرة من يسوي بين الجنة والنار ، وهو على الأول خبر محذوف تقديره : أفمن هو خالد في هذه الجنة كمن هو خالد في النار ، أو بدل من قوله : { كمن زين } وما بينهما اعتراض لبيان ما يمتاز به من على بينة في الآخرة تقريرا لإنكار المساواة . { فيها أنهار من ماء غير آسن } استئناف لشرح المثل أو حال من العائد المحذوف ، أو خبر لمثل و{ آسن } من أسن الماء بالفتح إذا تغير طعمه وريحه ، أو بالكسر على معنى الحدوث . وقرأ ابن كثير " أسن " . { وأنهار من لبن لم يتغير طعمه } لم يصر قارصا و لا حازرا . { وأنهار من خمر لذة للشاربين } لذيذة لا يكون فيها كراهة طعم وريح ولا غائلة سكر وخمار تأنيث لذ أو مصدر نعت به بإضمار ذات ، أو تجوز وقرئت بالرفع على صفة الأنهار والنصب على العلة . { وأنهار من عسل مصفى } لم يخالطه الشمع وفضلات النحل وغيرها ، وفي ذلك تمثيل لما يقوم مقام الأشربة في الجنة بأنواع ما يستلذ منها في الدنيا بالتجريد عما ينقصها وينغصها ، والتوصيف بما يوجب غزارتها واستمرارها . { ولهم فيها من كل الثمرات } صنف على هذا القياس . { ومغفرة من ربهم } عطف على الصنف المحذوف ، أو مبتدأ خبره محذوف أي لهم مغفرة . { كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما } مكان تلك الأشربة . { فقطع أمعاءهم } من فرط الحرارة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ فِيهَآ أَنۡهَٰرٞ مِّن مَّآءٍ غَيۡرِ ءَاسِنٖ وَأَنۡهَٰرٞ مِّن لَّبَنٖ لَّمۡ يَتَغَيَّرۡ طَعۡمُهُۥ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ خَمۡرٖ لَّذَّةٖ لِّلشَّـٰرِبِينَ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ عَسَلٖ مُّصَفّٗىۖ وَلَهُمۡ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ وَمَغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡۖ كَمَنۡ هُوَ خَٰلِدٞ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيمٗا فَقَطَّعَ أَمۡعَآءَهُمۡ} (15)

واختلف الناس في قوله تعالى : { مثل الجنة } الآية ، فقال النضر بن شميل وغيره : { مثل } معناه صفة ، كأنه قال صفة الجنة ما تسمعون فيها كذا وكذا ، وقال سيبويه : المعنى فيما يتلى عليكم مثل الجنة . ثم فسر ذلك الذي يتلى بقوله : فيها كذا وكذا .

قال القاضي أبو محمد : والذي ساق أن يجعل { مثل } بمثابة صفة هو أن الممثل به ليس في الآية ، ويظهر أن القصد في التمثيل هو إلى الشيء الذي يتخيله المرء عند سماعه فيها كذا وكذا فإنه يتصور عند ذلك بقاعاً على هذه الصورة وذلك هي { مثل الجنة } ومثالها ، وفي الكلام حذف يقتضيه الظاهر ، كأنه يقول : { مثل الجنة } ظاهر في نفس من وعى هذه الأوصاف . وقرأ علي بن أبي طالب : «مثال الجنة » . وقرأ علي بن أبي طالب أيضاً وابن عباس : «أمثال الجنة » . وعلى هذه التأويلات كلها ففي قوله : { كمن هو خالد } حذف تقديره : أساكن هذه ، أو تقديره : أهؤلاء إشارة إلى المتقين ، ويحتمل عندي أيضاً أن يكون الحذف في صدر الآية . كأنه قال : أمثل أهل الجنة { كمن هو خالد } ، ويكون قوله : { مثل } مستفهماً عنه بغير ألف الاستفهام ، فالمعنى : أمثل أهل الجنة ، وهي بهذه الأوصاف { كمن هو خالد في النار } فتكون الكاف في قوله : { كمن } مؤكدة في التشبيه ، ويجيء قوله : { فيها أنهار } في موضع الحال على هذا التأويل . { وما غير آسن } معناه غير متغير ، قاله ابن عباس وقتادة ، وسواء أنتن أو لم ينتن ، يقال : أسَن الماء : بفتح السين ، وأسِن بكسرها .

وقرأ جمهور القراء : «آسِن » على وزن فاعل . وقرأ ابن كثير : «أسن » ، على وزن فعل ، وهي قراءة أهل مكة ، والأسن أيضاً هو الذي يخشى عليه من ريح منتنة من ماء ، ومنه قول الشاعر :

التارك القرن مصراً أنامله . . . يميل في الرمح ميل المائح الأسن{[10362]}

وقال الأخفش : { آسن } لغة : والمعنى الإخبار به عن الحال ، ومن قال : «آسِن » على وزن فاعل ، فهو يريد به أن يكون كذلك في المستقبل فنفى ذلك في الآية .

وقرأت فرقة : «غير يسن » ، بالياء . قال أبو علي : وذلك على تخفيف الهمزة ، قال أبو حاتم عن عوف : كذلك كانت في المصحف : «يسن » ، فغيرها الحجاج .

وقوله : في اللبن { لم يتغير طعمه } نفي لجميع وجوه الفساد في اللبن وقوله : { لذة للشاربين } جمعت طيب المطعم وزوال الآفات من الصداع وغيره و { لذة } نعت على النسب ، أي ذات لذة . وتصفية العسل مذهبة لبوسته وضرره . وقوله : { من كل الثمرات } أي من هذه الأنواع ، لكنها بعيدة الشبه ، إذ تلك لا عيب فيها ولا تعب بوجه . وقوله : { ومغفرة من ربهم } معناه : وتنعيم أعطته المغفرة وسببته ، فالمغفرة إنما هي قبل الجنة ، وقوله : { وسقوا } الضمير عائد على «مَنْ » لأن المراد به جمع .


[10362]:هذا البيت لزهير بن أبي سلمى، وهو واحد من ثلاثة أبيات ذكرت في الديوان، واستشهد به صاحب اللسان في (أسن) على أن معناها: أصابه دوار من ريح البئر المنتنة فغشي عليه فسقط. ورواية الديوان:"قد اترك القِرن"، ورواية اللسان:"يُغادر القِرن"، والقِرن: الذي يماثل الإنسان في شجاعته، و"مُصفر أنامله": كناية عن الموت أو عن الخوف، قال في اللسان:"وأورده الجوهري: قد أترك القِرن"، وصوابه"يغادر القِرن" وكذا في شعره لأنه من صفة الممدوح، وقبله يقول:(ألم تر ابن سِنان كيف فضّله...)، وإنما فغلط الجوهري قول الآخر:(قد أترك القِرن مصفرا أنامله، كأن أثوابه)." وهذا البيت الذي أشار إليه في اللسان(ألم تر ابن سنان) غير موجود في الديوان، وعلى هذا فالأبيات أربعة لا ثلاثة، أما( يميل في الرمح) فقد ورد في اللسان(يميد) بالدال، والمائح: الذي ينزح الماء من البئر، والأسن: الذي دخل بئرا فاشتدت عليه ريحها فأصابه دوار فسقط". وفي كتب اللغة كلام كثير في الفعل(أسن).