الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ فِيهَآ أَنۡهَٰرٞ مِّن مَّآءٍ غَيۡرِ ءَاسِنٖ وَأَنۡهَٰرٞ مِّن لَّبَنٖ لَّمۡ يَتَغَيَّرۡ طَعۡمُهُۥ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ خَمۡرٖ لَّذَّةٖ لِّلشَّـٰرِبِينَ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ عَسَلٖ مُّصَفّٗىۖ وَلَهُمۡ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ وَمَغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡۖ كَمَنۡ هُوَ خَٰلِدٞ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيمٗا فَقَطَّعَ أَمۡعَآءَهُمۡ} (15)

ثم قال : { مثل الجنة التي وعد المتقون } [ 16 ] أي : صفة الجنة التي وعدها الله ] {[63468]} من أتقى معاصيه وعمل بطاعته .

{ فيها أنهار من ماء {[63469]} غير آسن } أي : غير متغير الريح ولا عكر {[63470]} ، وفيها : { وأنهار من لبن لم يتغير طعمه } .

أي : لم يحمض لطول مقامه {[63471]} ، ولا راب ولا غيرته الأيدي {[63472]} بالحلب من الضروع ، بل هو كوثر {[63473]} .

وفيها : { وأنهار من خمر لذة للشاربين } .

لا يحيل عقولهم ، ولا تلحقهم منه كراهة ، ولا صداع ، كما تفعل خمر الدنيا التي تحيل {[63474]} العقول وتكره {[63475]} شاربها ويعبس {[63476]} بعد شرابها ، ويعرض لهنها الصداع والقيء .

وفيها : { وأنهار من عسل مصفى } .

أي : {[63477]} لا غير فيه ولا ندى فيه ، ولا شيء يخالطه ، كما يكون في عسل الدنيا .

ثم قال : { ولهم فيها من كل الثمرات } .

أي : من كل ما اشتهت أنفسهم من الثمرات ، قال كعب : أربعة أنهار من الجنة وضعها {[63478]} الله في الدنيا . فالنيل : نهر العسل في الجنة ، والفرات : نهر الخمر في الجنة ، وسيحان : نهر الماء في الجنة ، وجيحان : نهر اللبن في الجنة {[63479]} .

وقال كعب أيضا : النيل في الآخرة عسل أغور {[63480]} ما يكون من الأنهار التي سماها {[63481]} الله عز وجل ، ودجلة في الآخرة لبن أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله عز وجل ، والفرات في الآخرة خمر أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله عز وجل ، وسيحان {[63482]} ماء أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله عز و جل .

ثم قال : { ومغفرة من ربهم } أي : لهم مغفرة ؛ أي : ستر على ذنوبهم ، وعفو من الله عليها {[63483]} فلا يجازيهم بها ، والتقدير عند سيبويه : وفيها يتلى عليكم مثل الجنة ، وفيها يقص عليكم مثل الجنة {[63484]} .

وقال يونس {[63485]} ( و ) {[63486]} النضر بن {[63487]} شميل والفراء : " مثل " بمعنى صفة {[63488]} ومثله وقد تقدم ذكره : { مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد } {[63489]} وهذه الآية هي تفسير لقوله : { إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار } {[63490]} من أي شيء هي ، فذكر أنها {[63491]} من ماء ومن لبن ومن عسل {[63492]} ومن خمر .

ويروى أن الماء هو غير آسن هو من تسنيم ل تمسه يد [ مجيء {[63493]} ] حتى يدخل في فيه .

ثم قال : { كمن هو خالد في النار } .

أي : ماكث أبدا في جهنم ، أي : هل يستوي من هو في هذه الجنات والأنهار التي تقدم وصفها مع من هو ماكث في نار جهنم .

ثم قال : { وسقوا ماء حميما } أي : وسقي هؤلاء الذين في النار ماء قد أنتهى حره . { فقطع {[63494]} أمعاءهم } .

روى {[63495]} عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله : { ويسقى من ماء صديد } {[63496]} قال : " يقرب إليه فيتكرهه {[63497]} فإذا أدني منه شوى وجهه ، ووقعت فروة رأسه ، فإذا {[63498]} شربه قطع {[63499]} أمعاءه حتى يخرج من دبره " {[63500]} .


[63468]:ساقط من ح، وانظر: تأويل مشكل القرآن 378.
[63469]:ع : "أن فيها من ماء غير آسن".
[63470]:ع : "الأعلى".
[63471]:انظر : العمدة 274، وغريب القرآن وتفسيره 162، والكامل للمبرد 3/68، وتفسير الغريب 410.
[63472]:ع : "اليد".
[63473]:ع : "كوني" وهو تحريف.
[63474]:ع : "تخيل": وهو تحريف.
[63475]:ع : "ويكره".
[63476]:ع : "ولعيسى": وهو تحريف.
[63477]:ساقط من ع.
[63478]:ع: "وصفها".
[63479]:انظر: تفسير الخازن وبهامشه معالم التنزيل 6/177، والدر المنثور 7/464.
[63480]:ع: "أغزر".
[63481]:ع: "سمى".
[63482]:ح: "جيحان".
[63483]:ع: "عنها".
[63484]:انظر: كتاب سيبويه 1/143، والتبيان في إعراب القرآن 2/161، وإعراب النحاس 4/183، والبحر المحيط 8/78.
[63485]:هو يونس بن حبيب أبو عبد السرحان البصري النحوي، أخذ العربية عن جهاد بن سلمة وأبي عمرو بن العلاء، وروى عنه سيبويه وعلي الكسائي توفي 182 هـ. انظر: نزهة الألباء 47 -50، وطبقات الفراء 2/406، وبغية الوعاة 2/365.
[63486]:ساقط من ع.
[63487]:النضر بن شميل بن خرشة بن يزيد المازني التميمي، أبو الحسن أحد الأعلام بمعرفة أيام العرب ورواية الحديث وفقه اللغة، من كتبه: "الصفات" في صفات الإنسان والبيوت والجبال والإبل والغنم، "وكتاب السلاح" و "المعاني" و "غريب الحديث" و"الأنوار"، روى الحروف عن هشام بن عروة وإسماعيل بن أبي خالد وشعبة، وروى عنه إسحاق بن راهويه، جمع بين النحو الغريب، والشعر والحديث والفقه والقراءة، وعند غاية النهاية توفي سنة 204 هـ. انظر: وفيات الأعيان 5/397، وغاية النهاية 2/341، وفهرست ابن النديم 82، وجمهرة الأنساب 211.
[63488]:انظر معاني الفراء 3/60، وإعراب النحاس 4/163، والبحر المحيط 8/87.
[63489]:إبراهيم: 21.
[63490]:الحج : 14.
[63491]:ع : "أنهار".
[63492]:ع : "من خمر ومن عسل".
[63493]:كذا في النسختين.
[63494]:ع : "يقطع".
[63495]:ع: "روي".
[63496]:إبراهيم : 18.
[63497]:ح: "ويتكره".
[63498]:ع: "إذا".
[63499]:ح : "فقطع".
[63500]:انظر : جامع البيان 26/32، وتفسير الخازن 6/178، والحديث أخرجه الترمذي، باب: ما جاء في صفة شراب أهل النار 4/106 رقم 2709، وقال حديث غريب ولا يعرف راوي الحديث وهو عبد الله بن سر إلا في هذا الحديث، ورواه أحمد في المسند 5/265، والحاكم في المستدرك 2/351، والبغوي في شرح السنة، كتاب الفتن، باب: صفة النار وأهلها نعوذ بالله منها 15/243.