المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذۡ تَقُولُ لِلَّذِيٓ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَأَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِ أَمۡسِكۡ عَلَيۡكَ زَوۡجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخۡفِي فِي نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِيهِ وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَىٰهُۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيۡدٞ مِّنۡهَا وَطَرٗا زَوَّجۡنَٰكَهَا لِكَيۡ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ حَرَجٞ فِيٓ أَزۡوَٰجِ أَدۡعِيَآئِهِمۡ إِذَا قَضَوۡاْ مِنۡهُنَّ وَطَرٗاۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولٗا} (37)

37- واذكر إذ تقول لزيد بن حارثة الذي أنعم الله عليه بهداية الإسلام ، وأنعمت عليه بالتربية والعتق ، أمسك عليك زوجك - زينب بنت جحش - واتق الله فيها ، واصبر على معاشرتها ، وتخفي في نفسك ما الله مظهره من أنه سيطلقها وأنك ستتزوجها ، وتخاف أن يُعيِّرك الناس ، والله هو الجدير بأن تخافه ، ولو كان في ذلك مشقة عليك . فلما قضى زيد منها حاجته وطلقها تخلصاً من ضيق الحياة معها زوجناكها . لتكون قدوة في إبطال هذه العادة المرذولة ، ولا يتحرج المسلمين بعد ذلك من التزوج بزوجات من كانوا يتبنونهم بعد طلاقهن . وكان أمر الله الذي يريده واقعاً لا محالة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذۡ تَقُولُ لِلَّذِيٓ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَأَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِ أَمۡسِكۡ عَلَيۡكَ زَوۡجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخۡفِي فِي نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِيهِ وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَىٰهُۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيۡدٞ مِّنۡهَا وَطَرٗا زَوَّجۡنَٰكَهَا لِكَيۡ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ حَرَجٞ فِيٓ أَزۡوَٰجِ أَدۡعِيَآئِهِمۡ إِذَا قَضَوۡاْ مِنۡهُنَّ وَطَرٗاۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولٗا} (37)

{ 37 ْ } { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ْ }

وكان سبب نزول هذه الآيات ، أن اللّه تعالى أراد أن يشرع شرعًا عامًا للمؤمنين ، أن الأدعياء ليسوا في حكم الأبناء حقيقة ، من جميع الوجوه وأن أزواجهم ، لا جناح على من تبناهم ، في نكاحهن .

وكان هذا من الأمور المعتادة ، التي لا تكاد تزول إلا بحادث كبير ، فأراد أن يكون هذا الشرع قولاً من رسوله ، وفعلاً ، وإذا أراد اللّه أمرًا ، جعل له سببًا ، وكان زيد بن حارثة يدعى " زيد بن محمد " قد تبناه النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فصار يدعى إليه حتى نزل { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ ْ } فقيل له : " زيد بن حارثة " .

وكانت تحته ، زينب بنت جحش ، ابنة عمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وكان قد وقع في قلب الرسول ، لو طلقها زيد ، لتزوَّجها ، فقدر اللّه أن يكون بينها وبين زيد ، ما اقتضى أن جاء زيد بن حارثة يستأذن النبي صلى اللّه عليه وسلم في فراقها .

قال اللّه : { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ْ } أي : بالإسلام { وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ْ } بالعتق{[1]}  حين جاءك مشاورًا في فراقها : فقلت له ناصحًا له ومخبرًا بمصلحته{[2]}  مع وقوعها في قلبك : { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ْ } أي : لا تفارقها ، واصبر على ما جاءك منها ، { وَاتَّقِ اللَّهَ ْ } تعالى في أمورك عامة ، وفي أمر زوجك خاصة ، فإن التقوى ، تحث على الصبر ، وتأمر به .

{ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ْ } والذي أخفاه ، أنه لو طلقها زيد ، لتزوجها صلى اللّه عليه وسلم .

{ وَتَخْشَى النَّاسَ ْ } في عدم إبداء ما في نفسك { وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ْ }{[3]}  وأن لا تباليهم شيئًا ، { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا ْ } أي : طابت نفسه ، ورغب عنها ، وفارقها . { زَوَّجْنَاكَهَا ْ } وإنما فعلنا ذلك ، لفائدة عظيمة ، وهي : { لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ ْ } حيث رأوك تزوجت ، زوج زيد بن حارثة ، الذي كان من قبل ، ينتسب إليك .

ولما كان قوله : { لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ ْ } عامًا في جميع الأحوال ، وكان من الأحوال ، ما لا يجوز ذلك ، وهي قبل انقضاء وطره منها ، قيد ذلك بقوله : { إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ْ } أي : لا بد من فعله ، ولا عائق له ولا مانع .

وفي هذه الآيات المشتملات على هذه القصة ، فوائد ، منها : الثناء على زيد بن حارثة ، وذلك من وجهين :

أحدهما : أن اللّه سماه في القرآن ، ولم يسم من الصحابة باسمه غيره .

والثاني : أن اللّه أخبر أنه أنعم عليه ، أي : بنعمة الإسلام والإيمان . وهذه شهادة من اللّه له أنه مسلم مؤمن ، ظاهرًا وباطنًا ، وإلا ، فلا وجه لتخصيصه بالنعمة ، لولا أن المراد بها ، النعمة الخاصة .

ومنها : أن المُعْتَق في نعمة الْمُعْتِق .

ومنها : جواز تزوج زوجة الدَّعِيّ ، كما صرح به .

ومنها : أن التعليم الفعلي ، أبلغ من القولي ، خصوصا ، إذا اقترن بالقول ، فإن ذلك ، نور على نور .

ومنها : أن المحبة التي في قلب العبد ، لغير زوجته ومملوكته ، ومحارمه ، إذا لم يقترن بها محذور ، لا يأثم عليها العبد ، ولو اقترن بذلك أمنيته ، أن لو طلقها زوجها ، لتزوجها من غير أن يسعى في فرقة بينهما ، أو يتسبب بأي سبب كان ، لأن اللّه أخبر أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، أخفى ذلك في نفسه .

ومنها : أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، قد بلغ البلاغ المبين ، فلم يدع شيئًا مما أوحي إليه ، إلا وبلغه ، حتى هذا الأمر ، الذي فيه عتابه .

وهذا يدل ، على أنه رسول اللّه ، ولا يقول إلا ما أوحي إليه ، ولا يريد تعظيم نفسه .

ومنها : أن المستشار مؤتمن ، يجب عليه -إذا استشير في أمر من الأمور- أن يشير بما يعلمه أصلح للمستشير{[4]}  ولو كان له حظ نفس ، فتقدم مصلحة المستشير على هوى نفسه وغرضه .

ومنها : أن من الرأي : الحسن لمن استشار في فراق زوجته أن يؤمر بإمساكها مهما أمكن صلاح الحال ، فهو أحسن من الفرقة .

ومنها : [ أنه يتعين ]{[5]}  أن يقدم العبد خشية اللّه ، على خشية الناس ، وأنها أحق منها وأولى .

ومنها : فضيلة زينب رضي اللّه عنها أم المؤمنين ، حيث تولى اللّه تزويجها ، من رسوله صلى اللّه عليه وسلم ، من دون خطبة ولا شهود ، ولهذا كانت تفتخر بذلك على أزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وتقول زوجكن أهاليكن ، وزوجني اللّه من فوق سبع سماوات .

ومنها : أن المرأة ، إذا كانت ذات زوج ، لا يجوز نكاحها ، ولا السعي فيه وفي أسبابه ، حتى يقضي زوجها وطره منها ، ولا يقضي وطره ، حتى تنقضي عدتها ، لأنها قبل انقضاء عدتها ، هي في عصمته ، أو في حقه الذي له وطر إليها ، ولو من بعض الوجوه .


[1]:- هذا التنبيه جعله الشيخ -رحمه الله- على غلاف المجلد الأول فصدرت به التفسير كما فعل -رحمه الله-.
[2]:- في ب: وأسقامها.
[3]:- في ب: بتمييز.
[4]:- في ب: وأنزله.
[5]:- زيادة من هامش ب، مشطوبة من أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ تَقُولُ لِلَّذِيٓ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَأَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِ أَمۡسِكۡ عَلَيۡكَ زَوۡجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخۡفِي فِي نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِيهِ وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَىٰهُۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيۡدٞ مِّنۡهَا وَطَرٗا زَوَّجۡنَٰكَهَا لِكَيۡ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ حَرَجٞ فِيٓ أَزۡوَٰجِ أَدۡعِيَآئِهِمۡ إِذَا قَضَوۡاْ مِنۡهُنَّ وَطَرٗاۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولٗا} (37)

{ وإذ تقول للذي أنعم الله عليه } بتوفيقه لعتقه واختصاصه . { وأنعمت عليه } بما وفقك الله فيه وهو زيد بن حارثة . { أمسك عليك زوجك } زينب . وذلك : أنه عليه الصلاة والسلام أبصرها بعد ما أنكحها إياه فوقعت في نفسه فقال سبحان الله مقلب القلوب ، وسمعت زينب بالتسبيحة فذكرت لزيد ففطن لذلك ووقع في نفسه كراهة صحبتها ، فأتى النبي عليه الصلاة والسلام وقال : أريد أن أفارق صاحبتي ، فقال ما لك أرابك منها شيء ، فقال : لا والله ما رأيت منها إلا خيرا ولكنها لشرفها تتعظم علي ، فقال له : امسك عليك زوجك . { واتق الله } في أمرها فلا تطلقها ضرارا وتعللا بتكبرها . { وتخفي في نفسك ما الله مبديه } وهو نكاحها أن طلقها أو إرادة طلاقها . { وتخشى الناس } تعييرهم إياك به . { والله أحق أن تخشاه } أن كان في ما يخشى ، والواو للحال ، وليست المعاتبة على الإخفاء وحده فإنه حسن بل على الإخفاء مخافة قالة الناس وإظهار ما ينافي إضماره ، فإن الأولى في أمثال ذلك أن يصمت أو يفوض الأمر إلى ربه . { فلما قضى زيد منها وطرا } حاجة بحيث ملها ولم يبق له فيها حاجة وطلقها وانقضت عدتها . { زوجناكها } وقيل قضاء الوطر كناية عن الطلاق مثل لا حاجة لي فيك . وقرئ " زوجتكها " ، والمعنى انه أمر بتزويجها منه أو جعلها زوجته بلا واسطة عقد . ويؤيده أنها كانت تقول لسائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى تولى إنكاحي وأنتن زوجكن أولياؤكن . وقيل كان زيد السفير في خطبتها وذلك ابتلاء عظيم وشاهد بين على قوة إيمانه . { لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا } علة للتزويج ، وهو دليل على أن حكمه وحكم الأمة واحدة إلا ما خصه الدليل { وكان أمر الله } أمره الذي يريده { مفعولا } مكونا لا محالة كما كان تزويج زينب .