{ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }
يخبر تعالى أنه لا يستوي من كان قصده رضوان ربه ، والعمل على ما يرضيه ، كمن ليس كذلك ، ممن هو مكب على المعاصي ، مسخط لربه ، هذان لا يستويان في حكم الله ، وحكمة الله ، وفي فطر عباد الله .
وقوله : { أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } أي : لا يستوي من اتبع رضوان الله فيما شرعه ، فاستحق رضوان الله وجزيل ثوابه وأُجِير من وَبِيل عقابه ، ومن استحق غضب الله وألزم به ، فلا محيد له عنه ، ومأواه يوم القيامة جهنم وبئس المصير .
وهذه لها نظائر في القرآن كثيرة كقوله تعالى : { أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى } [ الرعد : 19 ] وكقوله { أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [ ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ] {[6097]} } [ القصص : 61 ] .
تفريع على قوله : { ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } فهو كالبيان لتوفية كلّ نفس بما كسبت .
والاستفهام إنكار للمماثلة المستفادة من كاف التَّشبيه فهو بمعنى لا يستوون . والاتِّباع هنا بمعنى التطلّب : شبه حَال المتوّخي بأفعاله رضَى الله بحال المتطلِّب لطِلْبَة فهو يتبعها حيث حلّ ليقتنصها ، وفي هذا التَّشبيه حسن التنبيه على أنّ التحصيل على رضوان الله تعالى محتاج إلى فرط اهتمام ، وفي فعل ( باء ) من قوله : { كمن بآء بسخط من الله } تمثيل لحال صاحب المعاصي بالَّذي خرج يطلب ما ينفعه فرجع بما يضرّه ، أو رجع بالخيبة كما تقدّم في معنى قوله تعالى : { فما ربحت تجارتهم } في سورة البقرة ( 16 ) . وقد علم من هذه المقابلة حال أهل الطاعة وأهل المعصية ، أوْ أهلِ الإيمان وأهلِ الكفر .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{أفمن اتبع رضوان الله}، يعني رضى ربه عز وجل ولم يغلل، {كمن باء بسخط من الله}، يعني استوجب السخط من الله عز وجل في الغلول، ليسوا سواء، ثم بين مستقرهما، فقال: {ومأواه}، يعني ومأوى من غل {جهنم وبئس المصير}، يعني أهل الغلول.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛ فقال بعضهم: معنى ذلك: أفمن اتبع رضوان الله في ترك الغلول كمن باء بسخط من الله بغلوله ما غلّ. عن الضحاك في قوله:"أفمن اتبع رضوان الله"، قال: من لم يغلّ "كمن باء بسخط من الله"، كمن غل... وقال آخرون في ذلك... {أفَمَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ} على ما أحبّ الناس وسخطوا، {كَمَنْ بَاءَ بِسَخْطٍ مِنَ اللّهِ} لرضا الناس وسخطهم؟ يقول: أفمن كان على طاعتي، فثوابه الجنة ورضوان من ربه، كمن باء بسخط من الله، فاستوجب غضبه، وكان مأواه جهنم وبئس المصير؟ أسواء المثلان؟ أي فاعرفوا... وأولى التأولين بتأويل الآية عندي، قول الضحاك بن مزاحم لأن ذلك عقيب وعبيد الله على الغلول ونهيه عباده عنه، ثم قال لهم بعد نهيه عن ذلك ووعيده، أسواء المطيع لله فيما أمره ونهاه، والعاصي له في ذلك: أي أنهما لا يستويان ولا تستوي حالتاهما عنده، لأن لمن أطاع الله فيما أمره ونهاه: الجنة، ولمن عصاه فيما أمره ونهاه: النار. فمعنى قوله: {أفَمَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخْطٍ مِنَ اللّهِ} إذا: أفمن ترك الغلول وما نهاه الله عنه عن معاصيه وعمل بطاعة الله في تركه ذلك وفي غيره مما أمره به ونهاه من فرائضه، متبعا في كل ذلك رضا الله، ومجتنبا سخطه، {كَمَنْ بَاءَ بِسَخْطٍ مِنَ اللّهِ} يعني: كمن انصرف متحملاً سخط الله وغضبه، فاستحقّ بذلك سكنى جهنم، يقول: ليسا سواء. وأما قوله: {وَبِئْسَ المَصِير} فإنه يعني: وبئس المصير الذي يصير إليه ويؤوب إليه من باء بسخط من الله جهنم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
السخط من الله من هو إرادة العقاب بمستحقه ولعنه، وهو مخالف للغيظ، لأن الغيظ هو هيجان الطبع وانزعاج النفس، ولا يجوز إطلاقه على الله تعالى. والمصير: هو المرجع. والفرق بينهما أن المرجع هو انقلاب الشيء إلى حال قد كان عليها. والمصير: انقلاب الشيء إلى خلاف الحال التي هو عليها، نحو مصير الطين خزفا... وأما مرجع العباد إلى الله، فلأنهم ينقلبون إلى حال لا يملكون فيها لأنفسهم شيئا، كما كانوا قبل ما ملكوا.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
لا يستوي مَنْ رضي عنه في آزاله، ومَنْ سخط عليه فخذله في أحواله، وجعله متكلاً على أعماله، ناسياً لشهود أفضاله، واتباع الرضوان بمفارقة زُجِر عنه، ومعانقة ما أُمِرَ به، فَمَنْ تجرَّد عن المزجور، وتجلَّد في اعتناق المأمور فقد اتبع الرضوان، واستوجب الجنان.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
قيل معناه: أفمن اتبع رضوان الله بموافقة الرسول، كمن باء بسخط من الله بمخالفة الرسول.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
قوله تعالى: {أفمن اتبع رضوان الله} الآية، توقيف على تباين المنزلتين وافتراق الحالتين...والمعنى، اتبعوا الطاعة الكفيلة برضوان الله، ففي الكلام حذف مضاف، و {باء بسخط} -معناه: مضى متحملاً له، والسخط: صفة فعل، وقد تتردد متى لحظ فيها معنى الإرادة...
اعلم أنه تعالى لما قال: {ثم توفى كل نفس ما كسبت} أتبعه بتفصيل هذه الجملة، وبين أن جزاء المطيعين ما هو، وجزاء المسيئين ما هو، فقال: {أفمن اتبع رضوان الله} وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: للمفسرين فيه وجوه [منها]:... {أفمن اتبع رضوان الله} وهم المهاجرون، {كمن باء بسخط من الله} وهم المنافقون...
وقال القاضي: كل واحد من هذه الوجوه صحيح، ولكن لا يجوز قصر اللفظ عليه لأن اللفظ عام، فوجب أن يتناول الكل. لأن كل من أقدم على الطاعة فهو داخل تحت قوله {أفمن اتبع رضوان الله} وكل من أخلد إلى متابعة النفس والشهوة فهو داخل تحت قوله: {كمن باء بسخط من الله} أقصى ما في الباب أن الآية نازلة في واقعة معينة، لكنك تعلم أن عموم اللفظ لا يبطل لأجل خصوص السبب...
نظير هذه الآية قوله تعالى: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سوآء محياهم ومماتهم} وقوله: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} وقوله: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار} واحتج القوم بهذه الآية على أنه لا يجوز من الله تعالى أن يدخل المطيعين في النار، وأن يدخل المذنبين الجنة، وقالوا: إنه تعالى ذكر ذلك على سبيل الاستبعاد، ولولا أنه ممتنع في العقول، وإلا لما حسن هذا الاستبعاد، وأكد القفال ذلك فقال: لا يجوز في الحكمة أن يسوى المسيء بالمحسن، فإن فيه إغراء بالمعاصي وإباحة لها وإهمالا للطاعات.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
هذا الاستفهام معناه النفي، أي ليس من اتبع رضا الله فامتثل أوامره واجتنب مناهيه كمن عصاه فباء بسخطه، وهذا من الاستعارة البديعية. جعل ما شرعه الله كالدليل الذي يتبعه من يهتدي به، وجعل العاصي كالشخص الذي أمر بأن يتبع شيئاً عن اتباعه ورجع مصحوباً بما يخالف الاتباع. وفي الآية من حيث المعنى حذف والتقدير: أفمن اتبع ما يؤول به إلى رضا الله عنه، فباء برضاه كمن لم يتبع ذلك فباء بسخطه... {ومأواه جهنم}: أخبر أنَّ مَن باء بسخط من الله فمكانه الذي يأوي إليه هو جهنم، وأفهم هذا أن مقابله وهو من اتبع رضوان الله مأواه الجنة. ويحتمل أن تكون في صلة مَن فوصلها بقوله: باء. وبهذه الجملة كان المعنى: كمن باء بسخط الله، وآل إلى النار. وبئس المصير: أي جهنم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما أخبر تعالى أنه لا يقع في ذلك اليوم ظلم أصلاً تسبب عنه الإنكار على من حدثته نفسه بالأماني الكاذبة، فظن غير ذلك من استواء حال المحسن وغيره، أو فعل فعلاً وقال قولاً يؤدي إلى ذلك كالمنافقين و كالمقبلين على الغنيمة فقال تعالى: {أفمن اتبع} أي طلب بجد واجتهاد {رضوان الله} أي ذي الجلال والإكرام بالإقبال على ما أمر به الصادق، فصار إلى الجنة ونعم الصبر {كمن بآء} أي رجع من تصرفه الذي يريد به الربح، أو حل وأقام {بسخط من الله} أي من الملك الأعظم بأن فعل ما يقتضي السخط بالمخالفة ثم الإدبار لولا العفو {ومأواه جهنم} أي جزاء بما جعل أسباب السخط مأواه {وبئس المصير} أي هي...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم يستطرد السياق- في معرض الحديث عن الغنائم والغلول -يوازن بين القيم.. القيم الحقيقية التي يليق أن يلتفت إليها القلب المؤمن، وأن يشغل بها: (أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله، ومأواه جهنم وبئس المصير؟ هم درجات عند الله، والله بصير بما يعملون).. إنها النقلة التي تصغر في ظلها الغنائم، ويصغر في ظلها التفكير في هذه الاعراض. وهي لمسة من لمسات المنهج القرآني العجيب في تربية القلوب، ورفع اهتماماتها، وتوسيع آفاقها وشغلها بالسباق الحقيقي في الميدان الأصيل. (أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير).. هذه هي القيم، وهذا هو مجال الطمع! ومجال الاختيار. وهذا هو ميدان الكسب والخسارة. وشتان بين من يتبع رضوان الله فيفوز به، ومن يعود وفي وطابه سخط الله! يذهب به إلى جهنم.. وبئس المصير!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
فهو كالبيان لتوفية كلّ نفس بما كسبت. والاستفهام إنكار للمماثلة المستفادة من كاف التَّشبيه فهو بمعنى لا يستوون. والاتِّباع هنا بمعنى التطلّب: شبه حَال المتوّخي بأفعاله رضَى الله بحال المتطلِّب لطِلْبَة فهو يتبعها حيث حلّ ليقتنصها، وفي هذا التَّشبيه حسن التنبيه على أنّ التحصيل على رضوان الله تعالى محتاج إلى فرط اهتمام، وفي فعل (باء) من قوله: {كمن بآء بسخط من الله} تمثيل لحال صاحب المعاصي بالَّذي خرج يطلب ما ينفعه فرجع بما يضرّه، أو رجع بالخيبة كما تقدّم في معنى قوله تعالى: {فما ربحت تجارتهم} في سورة البقرة (16). وقد علم من هذه المقابلة حال أهل الطاعة وأهل المعصية، أوْ أهلِ الإيمان وأهلِ الكفر...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
هذا هو القانون السامي الذي وضعه سبحانه، وهو التساوي بين العمل وجزائه، وأنهم لا يتساوون في ذات أنفسهم، وفي الجزاء إذا اختلفت أعمالهم، ويفيد النص أن الجزاء يتحد إذا اتحد العمل، ويختلف إذا اختلف العمل، وفي النص الكريم عدة إشارات بيانية: الأولى: أنه ساق الكلام مساق الاستفهام الإنكاري الذي يفيد النفي أي إنكار الوقوع، وهذا يفيد أن ذلك القانون بدهي لا تختلف فيه العقول، بحيث لو سئل كل واحد من الناس عن ذلك لأجاب بأنه لا يستوي من اتبع رضوان الله، مع من يبوء بغضب الله. والثانية: أن الله سبحانه وتعالى سمى الأمناء الذين لا يغلون ولا يخونون في أي شيء، وخصوصا في الغنائم: يتبعون رضوان الله تعالى، وذلك لأنهم يخرجون مجاهدين في سبيل الحق ورفع كلمة الله وقد قدموا أنفسهم لمرضاته، وكانوا ممن شروا أنفسهم لله، ومن المؤمنين الذين اشترى الله سبحانه وتعالى أنفسهم، وفي ذلك رضوان الله تعالى، وهو أعظم جزاء في الدنيا والآخرة. والثالثة أ انه عبر عن الذين يغلون ويخونون بأنهم يبوءون أي يعودون على أنفسهم بسخط الله تعالى، والسخط ليس هو الغضب المجرد، بل هو الغضب الذي يصحبه أو يترتب عليه العقاب، وفرق بين عملين؛ أحدهما يجلب أبلغ الرضا، وثانيهما يجلب أبلغ الغضب وأشد العقاب، وإن ذكر هذه المقابلة ليعرف الذين يغلون بالغنائم أنهم لا يكسبون، ما يخسرونه أضعاف ما يكسبون من عرض لا بقاء له، والعبرة بفاضل ما بين الكسبين، أما الذين قد اختاروا الأمانة سبيلا، فإنهم لا يخسرون شيئا، لأن مال الخيانة لا يعد كسبا، بل هو سحت لا كسب فيه، ومع أنهم لا يخسرون شيئا، وكسبهم عظيم لا حد له، وهو رضوان الله تعالى. والرابعة: أنه سبحانه عبر عن اتباع أوامر الله ونواهيه باتباع رضوانه، لأن الطاعة المخلصة تؤدي إلى رضوانه سبحانه وتعالى، فطلب رضا الله في طاعته. ولقد عقب سبحانه سخطه بذكر عقابه؛ لأن السخط والعقاب متلازمان، كما أشرنا؛ ولذا قال سبحانه: {ومأواه جهنم وبئس المصير} أي أن عودتهم بغضب الله الشديد يتبعه حتما ذلك المصير يوم القيامة، وهو أن يكون المستقر الذي يستقرون فيه وينتهون إليه، هو جهنم، وهي الهاوية التي يهوون إليها في النار، جزاء هاوية الخيانة التي أصابتهم في الدنيا، وبئس ذلك المصير الذي صاروا إليه، وكان لهم نهاية، وإن لم يريدوه لهم غاية. وإن نتيجة عدم التساوي بين من يتبع رضوان الله تعالى ويطلبه بإقامة الطاعات على وجهها الأكمل، ومن يختارون الشر سبيلا- هي أن يكون الناس درجات بحسب مقدار طلب الرضوان، ومقدار اتباع السخط، ولذا قال سبحانه: {هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون}...
الحق سبحانه وتعالى حين يطرح بعض القضايا طرح الاستفهام، فهو يطرحها لا ليعلم هو فهو عالم، ولكن ليستنطق السامع، ونطق السامع حجة فوق خبر المخبر، فلو قال: إن الذي يتبع رضوان الله لا يساوي من ذهب إلى سخط الله لكان ذلك إخبارا منه وهو صادق فيما يقول، لكنه سبحانه يريد أن يستنطق عباده بالقضية، {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَن بَآءَ}، {بَآءَ} أي: رجع {بِسَخَطٍ مِّنَ اللَّهِ}. لا شك أن كل من يسمع عن الفاروق بين اتباع الرضوان، أو الرجوع بالسخط يقول: إن اتباع الرضوان يرفع درجة الإنسان، والذي يبوء بالسخط يهبط إلى درك الخسران، فالقضية قالها السامع.. فكأن الحق يستنطقنا بالقضية لتكون حجة علينا، والذي يتبع رضوان الله بالطاعة، أيساويه من يرجع إلى سخط الله بالمعصية؟! أفمن يتبع رضوان الله فلا يغُل في الغنيمة ولا يختان في الأمانة كمن غل في الغنيمة وخان في الأمانة؟ أفمن اتبع رضوان الله بأن استمع لأوامر الله حين استنفره لجهاد العدو، كمن لم يذهب لنداء الله ليكون في جند الله مقاتلا لعدو الله، لا؛ فالذي لا يستجيب لنداء الله هو من يبوء بسخط الله. و "السخط "هو: إظهار التقبيح، لكن إظهار التقبيح قد لا يؤثر في أناس غليظى الإحساس، لا تنفع فيهم اللعنة أو الشتائم؛ لذلك جاء سبحانه بالحكم: {وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} {وَمَأْوَاهُ} أي المكان الذي يأوي ويرجع إليه هو جهنم وبئس المصير...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
تضمنت الآيات السابقة الحديث عن شتى جوانب معركة «أُحد» وملابساتها ونتائجها، وقد جاء الآن دور المنافقين وضعاف الإيمان من المسلمين الذين تقاعسوا عن الحضور في «أُحد» تبعاً للمنافقين، لأننا نقرأ في الأحاديث أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما أمر بالتحرك إلى «أُحد» تخلف جماعة من المنافقين عن التوجه إلى الميدان بحجة أنه لن يقع قتال، وتبعهم في ذلك بعض المسلمين من ضعاف الإيمان، فنزل قوله تعالى (افمن اتبع رضوان الله) ولبى نداء النبي واتبع أمره بالخروج (كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير).
ثمّ يقول تعالى: (هم درجات عند الله) أي أن لكل واحد منهم درجة بنفسه ومكانة عند الله، وهو إشارة إلى أنه لا يختلف المنافقون عن المجاهدين فقط، بل إن لكلّ فرد من أفراد هذين الطائفتين درجة خاصة تناسب مدى تضحيته وتفانيه في سبيل الله أو مدى نفاقه وعدائه لله تعالى، وتبدأ هذه الدرجات من الصفر وتستمر إلى خارج حدود التصوّر.