المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ خُذُواْ حِذۡرَكُمۡ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُواْ جَمِيعٗا} (71)

71- يا أيها الذين آمنوا كونوا في حذر دائم من أعدائكم ، وخذوا الأهبة لرد كيدهم ، واخرجوا لقتالهم جماعات متفرقة ، جماعة بعد جماعة ، أو اخرجوا لهم مجتمعين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ خُذُواْ حِذۡرَكُمۡ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُواْ جَمِيعٗا} (71)

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا * وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا * وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا * فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا }

يأمر تعالى عباده المؤمنين بأخذ حذرهم من أعدائهم الكافرين . وهذا يشمل الأخذ بجميع الأسباب ، التي بها يستعان على قتالهم ويستدفع مكرهم وقوتهم ، من استعمال الحصون والخنادق ، وتعلم الرمي والركوب ، وتعلم الصناعات التي تعين على ذلك ، وما به يعرف مداخلهم ، ومخارجهم ، ومكرهم ، والنفير في سبيل الله .

ولهذا قال : { فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ } أي : متفرقين بأن تنفر سرية أو جيش ، ويقيم غيرهم { أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا } وكل هذا تبع للمصلحة والنكاية ، والراحة للمسلمين في دينهم ، وهذه الآية نظير قوله تعالى : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ خُذُواْ حِذۡرَكُمۡ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُواْ جَمِيعٗا} (71)

يأمر الله عباده المؤمنين بأخذ الحذر من عدوهم ، وهذا يستلزم التأهب لهم بإعداد الأسلحة والعدد وتكثير العدد بالنفير في سبيله .

{ ثُبَاتٍ } أي : جماعة بعد جماعة ، وفرقة بعد فرقة ، وسرية بعد سرية ، والثبات : جمع ثُبَة ، وقد تجمع الثبة على ثُبين .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : { فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ } أي : عُصبا يعني : سرايا متفرقين { أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا } يعني : كلكم .

وكذا رُوي عن مجاهد ، وعكرمة ، والسدي ، وقتادة ، والضحاك ، وعطاء الخراساني ، ومُقاتل بن حَيَّان ، وخُصَيف الجَزَري .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ خُذُواْ حِذۡرَكُمۡ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُواْ جَمِيعٗا} (71)

استئناف وانتقال إلى التحريض على الجهاد بمناسبة لطيفة ، فإنّه انتقل من طاعة الرسول إلى ذكر أشدّ التكاليف ، ثمّ ذكر الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين ، وكان الحال أدعى إلى التنويه بشأن الشهادة دون بقية الخلال المذكورة معها الممكنة النوال . وهذه الآية تشير لا محالة إلى تهيئة غزوة من غزوات المسلمين ، وليس في كلام السلفِ ذكر سبب نزولها ، ولا شكّ أنّها لم تكن أوّل غزوة لأنّ غزوة بدر وقعت قبل نزول هذه السورة ، وكذلك غزوة أحد التي نزلت فيها سورة آل عمران ، وليست نازلة في غزوة الأحزاب لأنّ قوله : { فانفِروا ثبات } يقتضي أنّهم غازون لا مغزوّون ، ولعلّها نزلت لمجرّد التنبيه إلى قواعد الاستعداد لغزو العدوّ ، والتحذير من العدوّ الكاشح ، ومن العدوّ الكائد ، ولعلّها إعداد لغزوة الفتح ، فإنّ هذه السورة نزلت في سنة ستّ ، وكان فتح مكة في سنة ثمان ، ولا شكّ أنّ تلك المدّة كانت مدّة اشتداد التألّب من العرب كلّهم لنصرة مشركي قريش والذبّ عن آلهتهم ، ويدلّ لذلك قوله بعد { ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين } [ النساء : 75 ] الخ ، وقوله : { فإن كان لكم فتح من الله } [ النساء : 141 ] فإنّ اسم الفتح أريد به فتح مكة في مواضع كثيرة كقوله : { فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً } [ الفتح : 27 ] .

وابتدأ بالأمر بأخذ الحذر . وهي أكبر قواعد القتال لاتّقاء خدع الأعداء . والحِذْرُ : هو توقّي المكروه .

ومعنى ذلك أن لا يغترّوا بما بيَنهم وبين العدوّ من هدنة صلح الحديبية ، فإنّ العدوّ وأنصاره يتربّصون بهم الدوائر ، ومن بينهم منافقون هم أعداء في صورة أولياء ، وهم الذين عنوا بقوله : { وإنَّ منكم لمن ليُبطئنّ } إلى { فوزاً عظيماً } .

ولفظ { خذوا } استعارة لمعنى شدّة الحذر وملازمته ، لأنّ حقيقة الأخذ تناول الشيء الذي كان بعيداً عنك . ولما كان النسيان والغفلة يشبهان البعد والإلقاء كان التذكّر والتيقّظ يشبهان أخذ الشيء بعد إلقائه ، كقوله : { خذ العفو } [ الأعراف : 199 ] ، وقولهم : أخذ عليه عهداً وميثاقاً . وليس الحذر مجازاً في السلاح كما توهمّه كثير ، فإنّ الله تعالى قال في الآية الأخرى { وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم } [ النساء : 102 ] . فعطف السلاح عليه .

وقوله : { فانفروا ثُبات أو انفروا جميعاً } تفريع عن أخذ الحذر لأنّهم إذا أخذوا حذرهم تخيّروا أساليب القتال بحسب حال العدّو . و{ انفروا } بمعنى اخرجوا للحرب ، ومصدره النفر ، بخلاف نفر ينفُر بضمّ العين في المضارع فمصدره النفور .

و ( ثُباتٍ ) بضمّ الثاء جمع ثُبة بضمّ الثاء أيضاً وهي الجماعة ، وأصلها ثُبَية أو ثُبَوَة بالياء أو بالواو ، والأظهر أنّها بالواو ، لأنّ الكلمات التي بقي من أصولها حرفان وفي آخرها هاء للتأنيث أصلها الواو نحو عِزة وعضة فوزنها فعة ، وأمّا ثُبة الحوض ، وهي وسطه الذي يجتمع فيه الماء فهي من ثَاب يثوب إذا رجع ، وأصلها ثُوَبَة فخفّفت فصارت بوزن فُلة ، واستدلّوا على ذلك بأنّها تصغّر على ثويبة ، وأنّ الثبة بمعنى الجماعة تصغّر على ثُبَيَّة . قال النحّاس : « ربّما توهّم الضعيف في اللغة أنّهما واحد مع أنّ بينهما فرقا » ومع هذا فقد جعلهما صاحب « القاموس » من واد واحد وهو حَسَن ، إذ قد تكون ثبة الحوض مأخوذة من الاجتماع إلاّ إذا ثبت اختلاف التصغير بسماع صحيح .

وانتصب { ثُبات } على الحال ، لأنّه في تأويل : متفرّقين ، ومعنى { جميعاً } جيشاً واحداً .