فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ خُذُواْ حِذۡرَكُمۡ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُواْ جَمِيعٗا} (71)

قوله : { يا أيها الذين آمنوا } هذا خطاب لخلص المؤمنين ، وأمر لهم بجهاد الكفار ، والخروج في سبيل الله ، والحذر ، والحذر لغتان : كالمثل ، والمثل . قال الفراء : أكثر الكلام الحذر ، والحذر مسموع أيضاً ، يقال : خذ حذرك أي : احذر ، وقيل : معنى الآية : الأمر لهم بأخذ السلاح حذراً ؛ لأن به الحذر . قوله : { فانفروا } نفر ينفر بكسر الفاء نفيراً ، ونفرت الدابة تنفر بضم الفاء نفوراً . والمعنى : انهضوا لقتال العدوّ . أو النفير اسم للقوم الذين ينفرون ، وأصله من النفار ، والنفور ، وهو : الفزع ، ومنه قوله تعالى : { وَلَّوْا على أدبارهم نُفُوراً } [ الإسراء : 46 ] أي : نافرين ، قوله : { ثبَاتٍ } جمع ثبة ، أي : جماعة ، والمعنى : انفروا جماعات متفرقات . قوله : { أَوِ انفروا جَمِيعاً } أي : مجتمعين جيشاً واحداً . ومعنى الآية : الأمر لهم بأن ينفروا على أحد الوصفين ؛ ليكون ذلك أشدّ على عدوّهم ، وليأمنوا من أن يتخطفهم الأعداء ، إذا نفر كل واحد منهم وحده أو نحو ذلك ، وقيل : إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : { انفروا خِفَافًا وَثِقَالاً } [ التوبة : 41 ] وبقوله : { إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذّبْكُمْ } [ التوبة : 39 ] والصحيح أن الآيتين جميعاً محكمتان : إحداهما في الوقت الذي يحتاج فيه إلى نفور الجميع ، والأخرى عند الاكتفاء بنفور البعض دون البعض .

/خ76