فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ خُذُواْ حِذۡرَكُمۡ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُواْ جَمِيعٗا} (71)

يأيها الذين أمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا( 71 )

{ خذوا حذركم } كونوا حذرين .

{ فانفروا ثبات } انهضوا لقتال العدو جماعات .

{ أو انفروا جميعا } أو انهضوا لقتال العدو جيشا واحدا .

ربنا الحكيم العلام خبير بمكر أعداء الإسلام ، وتربصهم بالمؤمنين ، وترقب غرة منهم لاستئصالهم ، ولهذا عهد الله سبحانه إلى أهل اليقين أن يستصحبوا سلاحهم حذرين( {[1461]} ) ، جاء في الكتاب المبين : { . . وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة . . } ( {[1462]} ) ، ولم يؤذن لأهل هذا الدين المرتضى أن يتركوا أسلحتهم جانبا مع دوام المرابطة إلا حين تقهرهم الأنواء أو الأدواء : { . . ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم . . } ( {[1463]} ) ، والآية هنا خطاب للمؤمنين أن يبقوا بسلاحهم مدججين ، ولقتال عدوهم متابعين ، فئات أو مجتمعين { يأيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا }- والمعنى : انهضوا لقتال العدو . . . جماعات متفرقات ، . . { أو انفروا جميعا } أي مجتمعين جيشا واحدا ؛ ومعنى الآية : الأمر لهم بأن ينفروا على أحد الوصفين ليكون ذلك أشد على عدوهم ، وليأمنوا أن يتخطفهم الأعداء إذا نفر كل واحد منهم وحده ، أو نحو ذلك-( {[1464]} ) .


[1461]:يقال أخذ حذره: إذا تيقظ واحترز عن الخوف، كأنه جعل احذر آلته التي يقي بها نفسه، ويعصم بها روحه؛ مما جاء في تفسير غرائب القرآن: فإن قيل: أي فائدة في هذا الأمر؛ والحذر لا يغني عن القدر؟ والمقدر كائن والهم فضل؟ قلت: هذا من عالم الأسباب والوسائط المرتبطة، ولا ريب أن الكل يقع على نحو ما قُدر، فمن امتثل وترتب عليه الأثر كان بقدر، ومن أهمل حتى فاتته السلامة كان أيضا بقدر، وهكذا شأن جميع التكاليف إذا اعتبر.لهـ لكن القدرية زعموا: أن الحذر يدفع ويمنع من مكائد الأعداء، وادعوا أنه لو لم يكن للأمر بالحذر معنى، ونحن نرد عليهم فنقول: ليس في الآية دليل على ن الحذر ينفع من القدر شيئا، ولكنا تُعبدنا بألا نلقي بأيدينا إلى التهلكة؛ ومنه الحديث: " اعقلها وتوكل" وإن كان القدر جاريا على ما قضى، ويفعل ما يشاء؛ فلفعل المراد منه طمأنينة النفس، لا أن ذلك ينفع من القدر، وكذلك أخذ الحذر؛ ولهذا أثنى الله تعالى على أصحاب نبيه عليه السلام بقوله سبحانه:( لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا..).
[1462]:سورة النساء. من الآية 102.
[1463]:سورة النساء. من الآية 102.
[1464]:من فتح القدير.{تفسير الشوكاني}.