البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ خُذُواْ حِذۡرَكُمۡ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُواْ جَمِيعٗا} (71)

نفر الرجل ينفر نفيراً ، خرج مجداً بكسر الفاء في المضارع وضمها ، وأصله الفزع ، يقال : نفر إليه إذا فزع إليه ، أي طلب إزالة الفزع .

والنفير النافور ، والنفر الجماعة .

ونفرت الدابة تفرُ بضم الفاء نفوراً أي هربت باستعجال .

الثبة : الجماعة الإثنان والثلاثة في كلام العرب قاله : الماتريدي .

وقيل : هي فوق العشرة من الرجال ، وزنها فعلة .

ولامها قيل : واو ، وقيل : ياء ، مشتقة من تثبيت على الرجل إذا أثنيت عليه ، كأنك جمعت محاسنه .

ومن قال : إن لامها واو ، جعلها من ثبا يثبو مثل حلا يحلو .

وتجمع بالألف والتاء وبالواو والنون فتضم في هذا الجمع تاؤها ، أو تكسر وثبة الحوض وسطه الذي يثوب الماء إليه ، المحذوف منه عينه ، لأنه من ثاب يثوب ، وتصغيره ثويبة كما تقول في سه سييهة ، وتصغير تلك ثبية .

{ يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً } مناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه تعالى لما ذكر طاعته وطاعة رسوله ، وكان من أهم الطاعات إحياء دين الله ، أمر بالقيام بإحياء دينه ، وإعلاء دعوته ، وأمرهم أن لا يقتحموا على عدوهم على جهالة فقال : خذوا حذركم .

فعلمهم مباشرة الحروب .

ولما تقدم ذكر المنافقين ، ذكر في هذه الآية تحذير المؤمنين من قبول مقالاتهم وتثبيطهم عن الجهاد ، فنادى أولاً باسم الإيمان على عادته تعالى إذا أراد أن يأمر المؤمنين أو ينهاهم ، والحذر والحذر بمعنى واحد .

قالوا : ولم يسمع في هذا التركيب الأخذ حذرك لأخذ حذرك .

ومعنى خذ حذرك : أي استعد بأنواع ما يستعد به للقاء من تلقاه ، فيدخل فيه أخذ السلاح وغيره .

ويقال : أخذ حذره إذا احترز من المخوف ، كأنه جعل الحذر آلته التي يتقي بها ويعتصم ، والمعنى : احترزوا من العدو .

ثم أمر تعالى بالخروج إلى الجهاد جماعة جماعة ، وسرية بعد سرية ، أو كتيبة واحدة مجتمعة .

وقرأ الجمهور : فانفِروا بكسر الفاء فبهما .

وقرأ الأعمش : بضمها فيهما ، وانتصاب ثبات وجميعاً على الحال ، ولم يقرأ ثبات فيما علمناه إلا بكسر التاء .

وقال الفراء : العرب تخفض هذه التاء في النصب وتنصبها .

أنشدني بعضهم :

فلما جلاها بالأيام تحيزت *** ثباتاً عليها ذلها واكتئابها

ينشد بكسر التاء وفتحها انتهى .

وأوفى أو انفروا للتخيير .

وقال ابن عباس : هذه الآية نسختها .

{ وما كان المؤمنون لينفروا كافة } قيل : وإنما عنى بذلك التخصيص إذ ليس يلزم النفر جماعتهم .