الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ خُذُواْ حِذۡرَكُمۡ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُواْ جَمِيعٗا} (71)

ثم علّمهم مباشرة الحروب ، فقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ } من عدوكم أي عدتكم وآلاتكم من السلاح

{ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } [ البقرة : 195 ] والحِذر والحَذر واحد ، كالمِثل والمَثل ، والعِدل والعَدل ، والشِبه والشَبه ، { فَانفِرُواْ } أي اخرجوا { ثُبَاتٍ } أي سرايا كسرية بعد سرية وجماعة بعد جماعة ، والثبات الجماعات في تفرقه واحدها ثبة { أَوِ انْفِرُواْ جَمِيعاً } أي مجتمعين كلّكم مع سلم واستدل أهل القدر بهذه الآية .

بقوله { خُذُواْ حِذْرَكُمْ } قالوا : لولا أن الحذر يمنع عنهم مكايد الأعداء ما كان لأمره بالحذر إياهم معنى .

فيقال لهم : الإئتمار لأمر الله والانتهاء عن نهيه واجب عليهم لأنهم به يسلمون من معصية الله عز وجل لأن المعصية تزل ، فائتمروا وانتهوا عمّا نهوا عنه .

وليس في هذه الآية دليل على أن حذرهم ينفع من القدر شيئاً ، وهذا كقول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " إعقلها وتوكّل " .

والمراد به طمأنينة النفس لا أن ذلك يدفع القدر ، كذلك في أخذ الحذر فهو الدليل على ذلك ، أن الله تعالى أثنى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله حاكياً عنهم

{ لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا } [ التوبة : 51 ] وأمر بذلك رسوله صلى الله عليه وسلم كان يصيبهم غير ما قضى عليهم ما كان هذا مني .