الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ خُذُواْ حِذۡرَكُمۡ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُواْ جَمِيعٗا} (71)

( والحَذَر والحِذْر ) لغتان بمعنىً . قيل : ولم يُسْمَعْ في هذا التركيبِ إلا : " خُذْ حِذْرك " بالكسر لا " حَذَرك " قوله : " ثُباتٍ " نصب على الحال ، وكذا [ " جميعاً " ، والمعنى : انفروا جماعاتٍ في تفرقةٍ سَرِيَّةً بعد سرية أو مجتعين كوكبةً واحدة ] قال الشيخ : ولم يُقْرأ فيما عَلِمْتُ إلا بكسر التاء " . انتهى . وهذه هي اللغة الفصيحة . وبعضُ العرب ينصِبُ جمعَ المؤنثِ السالم ، إذا كان معتلِّ اللام معوَّضاً منها تاءُ التأنيثِ بالفتحة ، وأنشد الفراء .

فلمَّا جَلاها بالأُيام تَحيَّزَتْ *** ثباتاً عليها ذُلُّها واكتئابُها

وقرئ شاذاً : " ويَجْعلون لله البناتَ " بالفتحة . وحُكِي : " سمعتُ لغاتَهم " وزعم الفارسي أنَّ الوارد من ذلك مفردٌ رُدَّتْ لامُه ؛ لأنَّ الأصلَ : " لُغَوَة " فلمَّا رُدَّتِ اللامُ قُلِبَتْ ألفاً ، وقد رُدَّ على الفارسي بأنه يلزمه الجمعُ بين العوض والمعوض منه ، ويَرُدُّ عليه أيضاً القراءةُ المتقدمةُ في " البناتَ " لأنَّ المفردَ منه مكسورُ الفاء ، وهذه المسألةُ قد أوْضَحتُها في كتابي " شرح التسهيل " غايةَ الإِيضاح .

و " ثباتٍ " جمعُ ثُبَة ووزنُها في الأصلِ : فُعَلة كحُطَمة ، وإنما حُذِفت لامُها وعُوِّض منها تاءُ التأنيث ، وهل لامُها واو أو ياء ؟ قولان حجة القول الأول أنها مشتقة من ثَبا يَثْبوا كخلا يَخْلو أي : اجتمع ، وحجةُ الثاني أنها مشتقةٌ من ثَبَيْتُ على الرجل إذا أثنيتُ عليه كأنك جمعت محاسنَة ، وتُجمع بالألف والتاء وبالواو والنون ، ويجوز في فائِها حين تُجمع على " ثُبين " الضمُّ والكسرُ ، وكذا كل أشبهَها نحو : " قُلة " و " بُرة " ما لم تُجْمَعْ جمع تكسير . والثُّبَةُ : الجماعةُ من الرجال تكون فوق العشرة . وقيل : الاثنان والثلاثة ، وتُصَغَّرُ على " ثُبَيَّة " بردِّ المحذوفِ ، وأمَّا " ثُبَةُ الحوضِ " وهي وسَطُه فالمحذوفُ عينُها لأنها من باب يَثُوب الماءُ أي يَرْجِعُ ، تُصَغَّر على " ثُوَيْبة " كقولك في تصغير سَنَة : " سُنَيْهة " .

والنَّفَر : الفَزَعُ ، يقال : نَفَر إليه أي : فَزِع إليه ، وفي مضارعه لغتان : ضمُّ العينِ وكسرُها ، وقيل : يُقال : نَفَر الرجل يَنْفِر بالكسر ، ونَفَرت الدابةُ تنفُر بالضم فَفَرَّقوا بينهما في المضارع ، وهذا الفرق يَرُدُّه قراءة الأعمش " فانفُروا " " أو انفُروا " بالضم فيهما . والمصدرُ : النَّفير والنُّفور والنَّفْر ، والنَّفَر : الجماعةُ كالقوم والرهط .