المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجۡعَلَ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ عَادَيۡتُم مِّنۡهُم مَّوَدَّةٗۚ وَٱللَّهُ قَدِيرٞۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (7)

7- عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم من الكافرين مودة بتوفيقهم للإيمان ، والله تام القدرة والله واسع المغفرة لمن تاب ، رحيم بعباده .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجۡعَلَ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ عَادَيۡتُم مِّنۡهُم مَّوَدَّةٗۚ وَٱللَّهُ قَدِيرٞۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (7)

ثم أخبر تعالى أن هذه العداوة التي أمر بها المؤمنين للمشركين ، ووصفهم بالقيام بها أنهم ما داموا على شركهم وكفرهم ، وأنهم إن انتقلوا إلى الإيمان ، فإن الحكم يدور مع علته ، فإن المودة{[1055]}  الإيمانية ترجع ، فلا تيأسوا أيها المؤمنون ، من رجوعهم إلى الإيمان ، ف { عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً } سببها رجوعهم إلى الإيمان ، { وَاللَّهُ قَدِيرٌ } على كل شيء ، ومن ذلك هداية القلوب وتقليبها من حال إلى حال ، { وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } لا يتعاظمه ذنب أن يغفره ، ولا يكبر عليه عيب أن يستره ، { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } وفي هذه الآية إشارة وبشارة إلى إسلام بعض المشركين ، الذين كانوا إذ ذاك أعداء للمؤمنين ، وقد وقع ذلك ، ولله الحمد والمنة .

ولما نزلت هذه الآيات الكريمات ، المهيجة على عداوة الكافرين ، وقعت من المؤمنين كل موقع ، وقاموا بها أتم القيام ، وتأثموا من صلة بعض أقاربهم المشركين ، وظنوا أن ذلك داخل فيما نهى الله عنه .


[1055]:- في ب: والمودة.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجۡعَلَ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ عَادَيۡتُم مِّنۡهُم مَّوَدَّةٗۚ وَٱللَّهُ قَدِيرٞۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (7)

يقول تعالى لعباده المؤمنين بعد أن أمرهم بعداوة الكافرين : { عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً } أي : محبة بعد البِغْضَة ، ومودة بعد النَّفرة ، وألفة بعد الفرقة . { وَاللَّهُ قَدِيرٌ } أي : على ما يشاء من الجمع بين الأشياء المتنافرة والمتباينة والمختلفة ، فيؤلف بين القلوب بعد العداوة والقساوة ، فتصبح مجتمعة متفقة ، كما قال تعالى ممتنًا على الأنصار : { وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا } الآية [ آل عمران : 103 ] . وكذا قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : " ألم أجِدْكُم ضُلالا فهداكم الله بي ، وكنتم متفرقين فألَّفَكُم الله بي ؟ " {[28670]} . وقال الله تعالى : { هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }[ الأنفال : 62 ، 63 ] . وفي الحديث ( أحبِبْ حَبيبَكَ هونًا مّا ، فعسى أن يكونَ بَغيضَكَ يومًا ما . وأبغِض بغيضَك هونًا ما ، فعسى أن يكون حبيبك يومًا ما ){[28671]} . وقال الشاعر{[28672]} :

وَقَد يجمعُ اللهُ الشتيتين بعد ما *** يَظُنان كُل الظنّ ألا تَلاقَيا

وقوله تعالى : { وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } أي : يغفر للكافرين كفرهم إذا تابوا منه وأنابوا إلى ربهم وأسلموا له ، وهو الغفور الرحيم بكل من تاب إليه ، من أيّ ذنب كان .

وقد قال مقاتل بن حيان : إن هذه الآية نزلت في أبي سفيان ، صخر بن حرب ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ابنته فكانت هذه مودة ما بينه وبينه .

وفي هذا الذي قاله مقاتل نظر ؛ فإن رسول تزوج بأم حبيبة بنت أبي سفيان قبل الفتح ، وأبو سفيان إنما أسلم{[28673]} ليلة الفتح بلا خلاف . وأحسن من هذا ما رواه بن أبي حاتم حيث قال : قُرئ على محمد بن عَزيز : حدثني سلامة ، حدثني عقيل ، حدثني ابن شهاب ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل أبا سفيان بن حرب على بعض اليمن ، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل فلقي ذا الخمار مرتدًا ، فقاتله ، فكان أول من قاتل في الردة وجاهد عن الدين . قال ابن شهاب : وهو ممن أنزل الله فيه : { عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } {[28674]} .

وفي صحيح مسلم ، عن ابن عباس : أن أبا سفيان قال : يا رسول الله ، ثلاث أعطنيهنّ . قال : " نعم " . قال : وتؤمّرني أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين . قال : " نعم " . قال : ومعاوية تجعله كاتبًا بين يديك . قال : " نعم " . قال : وعندي أحسن العرب وأجمله ، أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها . . . الحديث . وقد تقدم الكلام عليه {[28675]} .


[28670]:- (1) رواه البخاري في صحيحه برقم (4330) من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم، رضي الله عنه.
[28671]:- (2) رواه الترمذي في السنن برقم (1997) من طريق سويد بن عمرو، عن حماد بن سلمة، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعًا به، وقال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه، وقد روي هذا الحديث عن أيوب بإسناد غير هذا رواه الحسن بن أبي جعفر، وهو حديث ضعيف أيضًا بإسناد له عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، والصحيح عن على موقوف قوله".
[28672]:- (3) هو قيس بن الملوح كما في ديوانه (ص 315) واللسان، مادة "شتت" أ. هـ. مستفادًا من حاشية ط - الشعب.
[28673]:- (4) في م: "وإنما أسلم أبو سفيان".
[28674]:- (1) ذكره السيوطي في الدر المنثور (8/130) وعزاه لابن أبي حاتم، وهو مرسل.
[28675]:- (2) صحيح مسلم برقم (2501) من حديث ابن عباس، رضي الله عنه، وقول الحافظ: "تقدم الكلام عليه" لا أدري ما مقصوده، فإنه ذكر الحديث عند تفسير الآية: 227 من سورة الشعراء، ولم يتكلم عليه بشيء، وقد يكون تكلم عليه في مكان آخر لم أقع عليه، والله أعلم. والحديث استشكل، فقول أبي سفيان في الحديث: وعندي أم حبيبة أزوجكها، منقوض بأن أبا سفيان إنما أسلم يوم فتح مكة، والنبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة قبل ذلك بزمان طويل. انظر كلام الإمام النووي في: المنهاج (16/63) وإجابته على ذلك.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجۡعَلَ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ عَادَيۡتُم مِّنۡهُم مَّوَدَّةٗۚ وَٱللَّهُ قَدِيرٞۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (7)

اعتراض وهو استئناف متصل بما قبله من أول السورة خوطب به المؤمنون تسلية لهم على ما نُهوا عنه من مواصلة أقربائهم ، بأن يرجوا من الله أن يجعل قطيعتهم آيلة إلى مودة بأن يُسلم المشركون من قرابة المؤمنين وقد حقق الله ذلك يوم فتح مكة بإسلام أبي سفيان والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وحكيم بن حزام .

قال ابن عباس : كان من هذه المودة تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أمَّ حبيبة بنت أبي سفيان ، تزوجها بعد وفاة زوجها عبدِ الله بن جَحش بأرض الحبشة بعد أن تنصَّر زوجها فلما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم لانت عريكة أبي سفيان وصرح بفضل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ذلك الفحل لا يُقْدَع أنفه " ( روي بدال بعد القاف يُقال : قَدع أنفَه . إذا ضرَب أنفه بالرّمح ) وهذا تمثيل ، كانوا إذا نزا فحل غير كريم على ناقة كريمة دفعوه عنها بضرب أنفه بالرمح لئلا يكون نَتاجها هَجيناً . وإذ تقدم أن هذه السورة نزلت عام فتح مكة وكان تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أمّ حبيبة في مدة مهاجرتها بالحبشة وتلك قبل فتح مكة كما صرح به ابن عطية وغيره . يعني فتكون آية { عسى الله أن يجعل بينكم } الخ نزلت قبل نزول أول السورة ثم ألحقت بالسورة .

وإما أن يكون كلام ابن عباس على وجه المثال لحصول المودة مع بعض المشركين ، وحصولُ مثل تلك المودة يهيّىء صاحبه إلى الإِسلام واستبعد ابن عطية صحة ما روي عن ابن عباس .

و { عسى } فعل مقاربة وهو مستعمل هنا في رجاء المسلمين ذلك من الله أو مستعملة في الوعد مجردة عن الرجاء . قال في « الكشاف » : كما يقول المَلك في بعض الحوائج عسى أو لعل فلا تبقى شبهة للمحتاج في تمام ذلك .

وضمير { منهم } عائد إلى العدوّ من قوله : { لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } [ الممتحنة : 1 ] .

وجملة { والله قدير } تذييل . والمعنى : أنه شديد القدرة على أن يغير الأحوال فيَصيرَ المشركون مؤمنين صادقين وتصيرون أوِدَّاء لهم .

وعطف على التذييل جملة { والله غفور رحيم } ، أي يغفر لمن أنابوا إليه ويرحمهم فلا عجب أن يصيروا أودّاء لكم كما تصيرون أوداء لهم .