فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجۡعَلَ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ عَادَيۡتُم مِّنۡهُم مَّوَدَّةٗۚ وَٱللَّهُ قَدِيرٞۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (7)

ولما نزلت ( الآية6 ) وتشدد المؤمنون في عداوة آبائهم وأبنائهم وجميع أقربائهم من المشركين أطمعهم في تحول الحال إلى خلافة فقال :

{ عسى الله } وعسى وعد من الله على عادات الملوك ، حيث يقولون في بعض الحوائج : عسى أو لعل ، فلا تبقى شبهة المحتاج في تمام ذلك أو أريد به إطماع المؤمنين ، { أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة } وذلك بأن يسلموا فيصيروا من أهل دينكم ، وقد أسلم قوم منهم بعد فتح مكة وحسن إسلامهم ، ووقعت بينهم وبين من تقدمهم في الإسلام مودة ، وجاهدوا وفعلوا الأفعال المقربة إلى الله ، وقيل : المراد بالمودة هنا تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة بنت أبي سفيان ، فصار معاوية خال المؤمنين ، قاله ابن عباس ، ولا وجه لهذا التخصيص ، وإن كان من جملة ما صار سببا إلى المودة فإن أبا سفيان بعد ذلك ترك ما كان عليه من العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنها لم تحصل المودة إلا بإسلامه يوم الفتح وما بعده .

وعن أبي هريرة قال : أول من قاتل أهل الردة على إقامة دين الله أبو سفيان ابن حرب ، وفيه نزلت هذه الآية ، وعن الزهري أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل أبا سفيان بن حرب على بعض اليمن ، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل فلقي ذا الخمار مرتدا فكان أول من قاتل في الردة وجاهد عن الدين ، قال : وهو فيمن قال الله فيه { عسى الله أن يجعل } الآية .

وفي صحيح مسلم " عن ابن عباس أن أبا سفيان قال : يا رسول الله ثلاث أعطنيهن قال : نعم قال : تُؤَمّرُني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال : نعم ، قال : ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك قال نعم ، قال وعندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكما " الحديث ( {[1576]} ) قال محمد بن إبراهيم الوزير في التنقيح ما لفظه : قال ابن حزم هذا موضوع لا شك في وضعه ، والآفة فيه عن عكرمة بن عمار ، قلت : قد رد الحفاظ على ابن حزم ما ذكره وجمع ابن كثير الحافظ جزءا مفردا في بيان ضعف كلامه ، وفي الحديث غلط ووهم في اسم المخطوب لها النبي صلى الله عليه وسلم : وهي عزة أخت أم حبيبة خطب أبو سفيان رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطبته لها أختها أم حبيبة كما ثبت في الصحيحين فأخبرهما النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم الجمع بين الأختين ، وقد ذكر له تأويلات كثيرة هذا أقربها والموجب للتأويل ما علم من تزويج النبي صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة قبل إسلام أبي سفيان .

{ والله قدير } أي بليغ القدرة كثيرها على تقليب القلوب ، وتحويل الأحوال وتسهيل أسباب المودة ، { والله غفور رحيم } أي بلغيهما كثيرهما لمن أسلم من المشركين .


[1576]:رواه مسلم.