اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجۡعَلَ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ عَادَيۡتُم مِّنۡهُم مَّوَدَّةٗۚ وَٱللَّهُ قَدِيرٞۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (7)

قوله تعالى : { عَسَى الله أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الذين عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً } .

قال المفسرون{[56229]} : لمَّا نزلت الآية الأولى عادى المسلمين أقرباؤهم من المشركين ، فعلم الله شدّة وجد المسلمين في ذلك فنزلت : { عَسَى الله أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الذين عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً } أي : من كفار «مكة » ، وقد فعل الله ذلك ؛ لأن «عَسَى » من الله وعد ، ولا يخلف الله وعدهُ ، وهذا بأن يسلم الكافر ، وقد أسلم قوم منهم بعد فتح «مكة » ، وخالطهم المسلمون كأبي سفيان بن حرب ، والحارث بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، وحكيم بن حزام . وقيل : المودة تزويج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان فلانت عندئذ عريكة أبي سفيان ، قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما : كانت المودّة بعد الفتح تزويج النبي صلى الله عليه وسلم أمَّ حبيبة بنت أبي سفيان قال ابن عباس : وكانت تحت عبد الله بن جحشٍ ، وكانت هي وزوجها من مهاجرة الحبشة ، فأما زوجها فتنصَّر ، وسألها أن تتابعه على دينه ، فأبت وصبرت على دينها ، ومات زوجها على النصرانية ، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي فخطبها ، فقال النجاشي لأصحابه : من أولاكم بها ؟ قالوا : خالد بن سعيد بن العاص ، قال : فزوجها من نبيكم ففعل وأمهرها النجاشي من عنده أربعمائة دينار{[56230]} .

وقيل : خطبها النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن عفَّان ، فلما زوجه إياها بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي فيها ، فساق عنه المهر ، وبعث بها إليه ، فقال أبو سفيان وهو مشرك لما بلغه تزويج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته : وذلك الفحل لا يقدع أنفه . قال ابن الأثير{[56231]} : «يقال : قدعت الفحل وهو أن يكون غير كريم ، فإذا أراد ركوب الناقة الكريمة ضرب أنفه بالرمح وغيره حتى يرتدع وينكبّ ، ويروق بالراء » .


[56229]:ينظر: القرطبي السابق.
[56230]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/36) عن ابن عباس.
[56231]:ينظر: النهاية 4/24.