الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{۞عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجۡعَلَ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ عَادَيۡتُم مِّنۡهُم مَّوَدَّةٗۚ وَٱللَّهُ قَدِيرٞۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (7)

ولما نزلت عادى المسلمون أقرباءهم من المشركين فعلم الله شدة وجد المسلمين في ذلك فنزلت : { عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة } وهذا بأن يسلم الكافر ، وقد أسلم قوم منهم بعد فتح مكة وخالطهم المسلمون ، كأبي سفيان بن حرب ، والحارث بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، وحكيم بن حزام . وقيل : المودة تزويج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فلانت عند ذلك عَرِيكَة{[14900]} أبي سفيان ، واسترخت شكيمته في العداوة . قال ابن عباس : كانت المودة بعد الفتح تزويج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وكانت تحت عبدالله بن جحش ، وكانت هي وزوجها من مهاجرة الحبشة ، فأما زوجها فتنصر وسألها أن تتابعه على دينه فأبت وصبرت على دينها ، ومات زوجها على النصرانية . فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي فخطبها ، فقال النجاشي لأصحابه : من أولاكم بها ؟ قالوا : خالد بن سعيد بن العاص ، قال فزوجها من نبيكم . ففعل ، وأمهرها النجاشي من عنده أربعمائة دينار . وقيل : خطبها النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن عفان ، فلما زوجه إياها بعث إلى النجاشي فيها ، فساق عنه المهر وبعث بها إليه ، فقال أبو سفيان وهو مشرك لما بلغه تزويج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته : ذلك الفحل لا يُقْدَع أنفه . " يقدع " بالدال غير المعجمة ، يقال : هذا فحل لا يُقْدَع أنفه ، أي لا يضرب أنفه ، وذلك إذا كان كريما .


[14900]:العريكة: الطبيعة. ولانت عريكته: إذا انكسرت نخوته. والشكيمة: الأنفة. ومن اللجام: الحديدة المعترضة في الفم.