وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ْ } فإن في قلوبهم من الحنق والغيظ عليهم ما يكون قتالهم وقتلهم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم والهم ، إذ يرون هؤلاء الأعداء محاربين للّه ولرسوله ، ساعين في إطفاء نور اللّه ، وزوالا للغيظ الذي في قلوبهم ، وهذا يدل على محبة اللّه لعباده المؤمنين ، واعتنائه بأحوالهم ، حتى إنه جعل -من جملة المقاصد الشرعية- شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم .
ثم قال : { وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ْ } من هؤلاء المحاربين ، بأن يوفقهم للدخول في الإسلام ، ويزينه في قلوبهم ، ويُكَرِّهَ إليهم الكفر والفسوق والعصيان .
{ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ْ } يضع الأشياء مواضعها ، ويعلم من يصلح للإيمان فيهديه ، ومن لا يصلح ، فيبقيه في غيه وطغيانه .
وأعاد{[13284]} الضمير في قوله : { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ } عليهم أيضا .
وقد ذكر ابن عساكر في ترجمة مؤذنٍ لعمر بن عبد العزيز ، رضي الله عنه ، عن مسلم بن يسار ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غضبت أخذ بأنفها ، وقال : " يا عويش ، قولي : اللهم ، رب النبي محمد{[13285]} اغفر ذنبي ، وأذهب غيظ قلبي ، وأجرني من مضلات الفتن " .
ساقه من طريق أبي أحمد الحاكم ، عن الباغندي ، عن هشام بن عمار ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الجون عنه{[13286]}
{ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ } أي : من عباده ، { وَاللَّهُ عَلِيمٌ } أي : بما يصلح عباده ، { حَكِيمٌ } في أفعاله وأقواله الكونية والشرعية ، فيفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، وهو العادل الحاكم الذي لا يجور أبدا ، ولا يضيع مثقال ذرة من خير وشر ، بل يجازي عليه في الدنيا والآخرة .
عَطْفُ فعل { ويذهب غيظ قلوبهم } على فعل { ويشف صدور قوم مؤمنين } ، يؤذن باختلاف المعطوف والمعطوف عليه ، ويكفي في الاختلاف بينهما اختلاف المفهومين والحالين ، فيكون ذهاب غيظ القلوب مساوياً لشفاء الصدور ، فيحصل تأكيد الجملة الأولى بالجملة الثانية ، مع بيان متعلّق الشفاء ويجوز أن يكون الاختلاف بِالمَاصْدق مع اختلاف المفهوم ، فيكون المراد بشفاء الصدور ما يحصل من المسرّة والانشراح بالنصر ، والمراد بذهاب الغيظ استراحتهم من تعب الغيظ ، وتحرّق الحقد . وضمير قلوبهم عائد إلى قوم مؤمنين فهم موعودون بالأمرين : شفاء صدورهم من عدوهم ، وذهاب غيظ قلوبهم على نكث الذين نكثوا عهدهم .
والغيظ : الغضب المشوب بإرادة الانتقام ، وتقدّم في قوله تعالى : { عضوا عليكم الأنامل من الغيظ } في سورة آل عمران ( 119 ) .
{ ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم }
جملة ابتدائية مستأنفة ، لأنّه ابتداء كلام ليس ممّا يترتب على الأمر بالقتال ، بل لذكر من لم يُقتَلوا ، ولذلك جاء الفعل فيها مرفوعاً ، فدلّ هذا النظم على أنّها راجعة إلى قوم آخرين ، وهم المشركون الذين خانوا وغدروا ، ولم يُقتلوا ، بل أسلموا من قبل هذا الأمر أو بعده . وتوبة الله عليهم : هي قبول إسلامهم أو دخولهم فيه ، وفي هذا إعذار وإمهال لمن تأخّر . وإنّما لم تفصل الجملة : للإشارة إلى أنّ مضمونها من بقية أحوال المشركين ، فناسب انتظامها مع ما قبلها . فقد تاب الله على أبي سفيان ، وعكرمة بن أبي جهل ، وسليم بن أبي عمرو ( ذكر هذا الثالث القرطبي ولم أقف على اسمه في الصحابة ) .
والتذييل بجُملة { والله عليم حكيم } لإفادة أنّ الله يعامل الناس بما يعلم من نياتهم ، وأنّه حكيم لا يأمر إلا بما فيه تحقيق الحكمة ، فوجب على الناس امتثال أوامره ، وأنّه يقبل توبة من تاب إليه تكثيراً للصلاح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.