{ 6 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }
أي : يا من من الله عليهم بالإيمان ، قوموا بلوازمه وشروطه .
ف { قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة ، ووقاية الأنفس بإلزامها أمر الله ، والقيام بأمره امتثالًا ، ونهيه اجتنابًا ، والتوبة عما يسخط الله ويوجب العذاب ، ووقاية الأهل [ والأولاد ] ، بتأديبهم وتعليمهم ، وإجبارهم على أمر الله ، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه ، وفيما يدخل{[1163]} تحت ولايته من الزروجات والأولاد وغيرهم ممن هو تحت ولايته وتصرفه .
ووصف الله النار بهذه الأوصاف ، ليزجر عباده عن التهاون بأمره فقال : { وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } كما قال تعالى : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } .
{ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ } أي : غليظة أخلاقهم ، عظيم{[1164]} انتهارهم ، يفزعون بأصواتهم ويخيفون{[1165]} بمرآهم ، ويهينون أصحاب النار بقوتهم ، ويمتثلون{[1166]} فيهم أمر الله ، الذي حتم عليهم العذاب{[1167]} وأوجب عليهم شدة العقاب ، { لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } وهذا فيه أيضًا مدح للملائكة الكرام ، وانقيادهم لأمر الله ، وطاعتهم له في كل ما أمرهم به .
قال سفيان الثوري ، عن منصور ، عن رجل ، عن علي ، رضي الله عنه ، في قوله تعالى : { قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } يقول : أدبوهم ، عَلموهم .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } يقول : اعملوا بطاعة الله ، واتقوا معاصي الله ، ومُروا أهليكم بالذكر ، ينجيكم الله من النار .
وقال مجاهد : { قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } قال : اتقوا الله ، وأوصوا أهليكم بتقوى الله . .
وقال قتادة : يأمرهم بطاعة الله ، وينهاهم عن معصية الله ، وأن يقومَ عليهم بأمر الله ، ويأمرهم به ويساعدهم عليه ، فإذا رأيت لله معصية ، قَدعتهم عنها وزجرتهم عنها .
وهكذا قال الضحاك ومقاتل : حق على المسلم أن يعلم أهله ، من قرابته وإمائه وعبيده ، ما فرض الله عليهم ، وما نهاهم الله عنه .
وفي معنى هذه الآية الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، من حديث عبد الملك بن الربيع بن سَبْرَة ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ، فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها " {[29068]} .
هذا لفظ أبي داود ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن .
وروى أبو داود ، من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك{[29069]} .
قال الفقهاء : وهكذا في الصوم ؛ ليكون ذلك تمرينًا له على العبادة ، لكي يبلغ وهو مستمر على العبادة والطاعة ومجانبة المعصية وترك المنكر ، والله الموفق .
وقوله : { وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } { وَقُودُهَا } أي : حطبها الذي يلقى فيها جُثث بني آدم . { وَالْحِجَارَةُ } قيل : المراد بذلك الأصنام التي كانت تعبد لقوله : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] .
وقال ابن مسعود ومجاهد وأبو جعفر الباقر ، والسدي : هي حجارة من كبريت - زاد مجاهد : أنتن من الجيفة .
وروى ذلك ابن أبي حاتم ، رحمه الله ، ثم قال : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الرحمن بن سنان المنقري ، حدثنا عبد العزيز - يعني ابن أبي رَاَّود - قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } وعنده بعض أصحابه ، وفيهم شيخ ، فقال الشيخ : يا رسول الله ، حجارة جهنم كحجارة الدنيا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، لَصَخرة من صخر جهنم أعظمُ من جبَال الدنيا كلها " . قال : فوقع الشيخُ مغشيًا عليه ، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على فؤاده فإذا هُوَ حَيّ فناداه قال : " يا شيخ " ، قل : " لا إله إلا الله " . فقالها ، فبشره بالجنة ، قال : فقال أصحابه : يا رسول الله ، أمن بيننا ؟ قال : " نعم ، يقول الله تعالى : { ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } [ إبراهيم : 14 ] هذا حديث مرسل غريب .
وقوله : { عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ } أي : طباعهم غليظة ، قد نزعت من قلوبهم الرحمة بالكافرين بالله ، { شِدَادٌ } أي : تركيبهم في غاية الشدة والكثافة والمنظر المزعج .
قال{[29070]} ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سلمة بن شبيب ، حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان ، حدثنا أبي ، عن عكرمة أنه قال : إذا وصل أول أهل النار إلى النار ، وَجَدوا على الباب أربعمائة ألف من خَزَنة جهنم ، سود وجوههم ، كالحة أنيابهم ، قد نزع الله من قلوبهم الرحمة ، ليس في قلب واحد منهم مثقال ذَرَة من الرحمة ، لو طير الطير من منكب أحدهم لطار شهرين قبل أن يبلغ منكبه الآخر ، ثم يجدون على الباب التسعة عشر ، عرض صدر أحدهم سبعون خريفًا ، ثم يهوون من باب إلى باب خمسمائة سنة ، ثم يجدون على كل باب منها مثلَ ما وجدوا على الباب الأول ، حتى ينتهوا إلى آخرها .
وقوله : { لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } أي : مهما أمرهم به تعالى يبادروا إليه ، لا يتأخرون عنه طرفة عين ، وهم قادرون على فعله ليس بهم عجز عنه . وهؤلاء هم الزبانية عياذًا بالله منهم .
يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم بترك المعاصي وفعل الطاعات وأهليكم بالنصح والتأديب وقرئ وأهلوكم عطف على واو قوا فيكون أنفسكم أنفس القبيلين على تغليب المخاطبين نارا وقودها الناس والحجارة نارا تتقد بهما اتقاد غيرها بالحطب عليها ملائكة تلي أمرها وهم الزبانية غلاظ شداد غلاظ الأقوال شداد الأفعال أو غلاظ الخلق شداد الخلق أقوياء على الأفعال الشديدة لا يعصون الله ما أمرهم فيما مضى ويفعلون ما يؤمرون فيما يستقبل أو لا يمتنعون عن قبول الأوامر والتزامها ويؤدون ما يؤمرون به .
قوله تعالى : { قوا أنفسكم وأهليكم } معناه : اجعلوا وقاية بينكم وبين النار ، وقد تقدم غير مرة تعليل اللفظة ، وقوله تعالى : { وأهليكم } معناه : بالوصية لهم والتقويم والحمد على طاعة الله تعالى ، وفي حديث : «لا تزن فيزني أهلك » ، وفي حديث آخر : «رحم الله رجلاً قال : يا أهلاه ، صلاتكم ، صيامكم ، مسكينكم ، يتيمكم »{[11193]} ، وقرأ الجمهور : «وقَودها » بفتح الواو ، وقرأ مجاهد والحسن وطلحة وعيسى والفياض بن غزوان وأبو حيوة بضمها ، وقيل هما بمعنى ، وقيل الضم مصدر والفتح اسم ، ويروى أن { الحجارة } : هي حجارة الكبريت ، وقد تقدم القول في ذلك في سورة البقرة . ويروى أنها جميع أنواع الحجارة ، وفي بعض الحديث أن عيسى ابن مريم سمع أنيناً في فلاة من الأرض فتبعه حتى بلغ إلى حجر يئن ويحزن ، فقال له : ما بالك أيها الحجر ؟ فقال : يا روح الله ، إني سمعت الله يقول : { وقودها الناس والحجارة } ، فخفت أن أكون من تلك الحجارة ، فعجب منه عيسى وانصرف ، ويشبه أن يكون هذا المعنى في التوراة أو في الإنجيل ، فذلك الذي سمع الحجر إذا عبر عنه بالعربية كان هذا اللفظ ، ووصف الملائكة بالغلظة معناه في القلوب والبطش الشديد والفظاظة ، كما قال تعالى لنبيه : { ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك }{[11194]} [ آل عمران : 159 ] والشدة القوة ، وقيل المراد شدتهم على الكفار ، فهي بمعنى الغلظ ، ووصفهم تعالى بالطواعية لربهم ، وكرر المعنى تأكيداً بقوله تعالى : { ويفعلون ما يؤمرون } ، وفي قوله تعالى : { ويفعلون ما يؤمرون } ما يقتضي أنهم يدخلون الكفار النار بجد واختيار ، ويغلظون عليهم ، فكأنه قال بعد تقرير هذا المعنى ، فيقال للكفار : { لا تعتذروا اليوم }
كانت موعظة نساء النبي صلى الله عليه وسلم مناسبة لتنبيه المؤمنين لعدم الغفلة عن موعظة أنفسهم وموعظة أهليهم وأن لا يصدّهم استبقاء الودّ بينهم عن إسداء النصح لهم وإن كان في ذلك بعض الأذى .
وهذا نداء ثان موجه إلى المؤمنين بعد استيفاء المقصود من النداء الأول نداءِ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى : { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } [ التحريم : 1 ] .
وجه الخطاب إلى المؤمنين ليأتنسوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في موعظة أهليهم .
وعبر عن الموعظة والتحذير بالوقاية من النار على سبيل المجاز لأن الموعظة سبب في تجنب ما يفضي إلى عذاب النار أو على سبيل الاستعارة بتشبيه الموعظة بالوقاية من النار على وجه المبالغة في الموعظة .
وتنكير « نار » للتعظيم وأجرى عليها وصف بجملة { وقودها الناس والحجارة } زيادة في التحذير لئلا يكونوا من وقود النار . وتذكيراً بحال المشركين الذي في قوله تعالى : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } في سورة [ الأنبياء : 98 ] . وتفظيعاً للنار إذ يكون الحجر عِوضاً لها عن الحَطب .
ووصفت النار بهذه الجملة لأن مضمون هذه الجملة قد تقرر في علم المسلمين من قبل نزول هذه الآية بما تقدم في سورة [ البقرة : 24 ] من قوله تعالى : { فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين } وبما تقدمهما معاً من قوله : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } في سورة [ الأنبياء : 98 ] .
و{ الحجارة } : جمع الحجر على غير قياس فإن قياسه أحجار فجمعوه على حِجارٍ بوزن فِعال وألحقوا به هاء التأنيث كما قالوا : بِكارة جمع بَكر ، ومِهارة جمع مُهْر .
وزيد في تهويل النار بأنَّ عليها ملائكة غلاظاً شداداً وجملة { عليها ملائكة } إلى آخرها صفة ثانية .
ومعنى { عليها } أنهم موكلون بها . فالاستعلاء المفاد من حرف ( على ) مستعار للتمكن كما تقدم في قوله تعالى : { أولئك على هدى من ربهم } [ البقرة : 5 ] . وفي الحديث " فلم يكن على بابه بوّابون "
و { غلاظ } جمع غليظ وهو المتصف بالغلظة . وهي صفة مشبهة وفعلها مِثل كَرُم . وهي هنا مستعارة لقساوة المعاملة كقوله تعالى : { ولو كنتَ فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك } [ آل عمران : 159 ] أي لو كنت قاسياً لما عاشروك .
و« شداد » : جمع شديد . والشدة بكسر الشين حقيقتها قوة العمل المؤذي والموصوف بها شديد . والمعنى : أنهم أقوياء في معاملة أهل النار الذين وكلوا بهم : يقال : اشتدّ فلان على فلان ، أي أساء معاملته ، ويقال : اشتدّت الحرب ، واشتدت البأساء . والشدة من أسماء البؤس والجوع والقحط .
وجملة { لا يعصون الله ما أمرهم } ثناء عليهم أعقب به وصفهم بأنهم غلاظ شداد تعديلاً لما تقتضيانه من كراهية نفوس الناس إياهم ، وهذا مؤذن بأنهم مأمورون بالغلظة والشدة في تعذيب أهل النار .
وأما قوله : { ويفعلون ما يؤمرون } فهو تصريح بمفهوم { لا يعصون الله ما أمرهم } دعا إليه مقام الإِطناب في الثناء عليهم ، مع ما في هذا التصريح من استحضار الصورة البديعة في امتثالهم لما يؤمرون به . وقد عُطف هذا التأكيد عطفاً يقتضي المغايرة تنويهاً بهذه الفضيلة لأن فعل المأمور أوضح في الطاعة من عدم العصيان واعتبار لمغايرة المعنيين وإن كان قالهما واحد ولك أن تجعل مرجع { لا يعصون الله ما أمرهم } أنهم لا يعصون فيما يكلفون به من أعمالهم الخاصة بهم ، ومرجع { ويفعلون ما يؤمرون } إلى ما كلفوا بعمله في العصاة في جهنم .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله" قُوا أنْفُسَكُمْ "يقول: علموا بعضكم بعضا ما تقون به من تعلمونه النار، وتدفعونها عنه إذا عمل به من طاعة الله، واعملوا بطاعة الله. وقوله: "وأهْلِيكُمْ نارا" يقول: وعلموا أهليكم من العمل بطاعة الله ما يقون به أنفسهم من النار.
وقوله: "وَقُودَها النّاسُ" يقول: حطبها الذي يوقد على هذه النار بنو آدم وحجارة الكبريت.
وقوله: "عَلَيْها مَلائِكَةُ غِلاظٌ شِدَادٌ" يقول: على هذه النار ملائكة من ملائكة الله، غلاظ على أهل النار، شداد عليهم "لا يَعْصُونَ اللّهَ ما أمَرَهُمْ" يقول: لا يخالفون الله في أمره الذي يأمرهم به "وَيَفْعَلُونَ ما يُؤمَرُونَ" يقول: وينتهون إلى ما يأمرهم به ربهم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا} يحتمل أن يكون معناه: قوا أنفسكم في ما تدعو أنفسكم إليه، لأن الأنفس تأمرهم بالسوء، وتدعوهم إليه... وجائز أن يكون قوله تعالى: {قوا أنفسكم وأهليكم} أي قوها عن الطريق الذي إذا سلكتموه أفضى بكم إلى النار، وقوا أهليكم أيضا عن ذلك الطريق، وذلك يكون بالعمل لأن العمل على ضربين: عمل يفضي بصاحبه إلى الجنة، وعمل يفضي به إلى النار، فيكون التقوى في هذا الوجه راجعا إلى الأعمال، وفي الوجه الأول إلى الأنفس. ويحتمل {قوا أنفسكم} باكتساب الأسباب التي هي أسباب النجاة من العطب والهلاك {وأهليكم} في أن تعلّموهم الأسباب التي هي أسباب الخلاص من النار...
{نارا وقودها الناس والحجارة} فهذا على المبالغة في وصف شدة النار. وأخبر أن شدتها، تنتهي إلى هذا؛ في أن صيّر الناس وقودا، وكذلك الحجارة... {عليها ملائكة غلاظ شداد} جائز أن يكون هذا وصفهم أنهم خلقوا غلاظا شدادا، وجائز أن يكونوا أشداء على الكفار وأعداء الله...
وهذا يدل على أن علينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير وما لا يُسْتَغْنَى عنه من الآداب، وهو مثل قوله تعالى: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} [طه: 132]، ونحو قوله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214]...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
وفي الوصية التي تقيهم النار ثلاثة أقاويل:
أحدها: يأمرهم بطاعة اللَّه وينهاهم عن معصيته...
الثاني: يعلمهم فروضهم ويؤدبهم في دنياهم...
الثالث: يعلمهم الخير ويأمرهم به، ويبين لهم الشر، وينهاهم عنه...
حق ذلك عليه في نفسه وولده وعبيده وإمائه...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
أي: فَقَّهوهم، وأَدِّبوهم، وادعوهم إلى طاعة الله، وامنعوهم عن استحقاق العقوبة بإرشادهم وتعليمهم. ودلَّت الآيةُ: على وجوبِ الأمرِ بالمعروف في الدَّين للأقرب فالأقرب...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{قُواْ أَنفُسَكُمْ} بترك المعاصي وفعل الطاعات {وَأَهْلِيكُمْ} بأن تأخذوهم بما تأخذون به أنفسكم...
{نَاراً وَقُودُهَا الناس والحجارة} نوعاً من النار لا يتقد إلا بالناس والحجارة، كما يتقد غيرها من النيران بالحطب...
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
لما وعظ أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم موعظة خاصة، أتبع ذلك بموعظة عامة للمؤمنين وأهليهم، وعطف {وأهليكم} على {أنفسكم}، لأن رب المنزل راع وهو مسؤول عن أهله...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{يا أيها} مخاطبة لأدنى الأسنان إشارة إلى أن من فوقهم تأسى من حين دخوله في الإسلام فهو غني عن أمر جديد {الذين آمنوا} أي أقروا بذلك {قوا أنفسكم} أي اجعلوا لها وقاية بالتأسي به صلى الله عليه وسلم في أدبه مع الخلق والخالق في لينه لمن يستحق اللين من الخلق تعظيماً للخالق فعاملوه قبل كل شيء بما يعاملكم به من الأدب، وكذا كونوا مع بقية الخلق. ولما كان الإنسان راعياً لأهل بيته مسؤولاً عن رعيته قال تعالى: {وأهليكم} من النساء والأولاد وكل من يدخل في هذا الاسم قوهم {ناراً} بالنصح والتأديب ليكونوا متخلقين بأخلاق أهل النبي صلى الله عليه وسلم... {وقودها} أي الذي توقد به {الناس والحجارة} أي ألين الأشياء وأصلبها...
{عليها ملائكة} أي يكون أمرها على سبيل الاستعلاء فلا تعصيهم شيئاً لتأديب الله لها {غلاظ} أي في الأبدان والقلوب فظاظة على أهلها لاستحقاقهم لذلك بعصيانهم الملك...
{شداد} أي في كل شيء يحاولونه بالقول والفعل... {لا يعصون الله} أي الملك الأعلى في وقت من الأوقات {ما أمرهم} أي أوقع الأمر لهم به في زمن ما...
{ويفعلون} أي مجددين مع كل أمر على سبيل الاستمرار {ما يؤمرون} أي ما يقع لهم الأمر به في أي وقت كان من غير نقص ما، وبني الفعل لما لم يسم فاعله كناية عن سهولة انقيادهم وإشارة إلى أن الذي أمرهم معلوم أنه الله سبحانه وتعالى...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
أي: يا من منّ الله عليهم بالإيمان، قوموا بلوازمه وشروطه. ف {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة، ووقاية الأنفس بإلزامها أمر الله، والقيام بأمره امتثالًا، ونهيه اجتنابًا، والتوبة عما يسخط الله ويوجب العذاب، ووقاية الأهل والأولاد، بتأديبهم وتعليمهم، وإجبارهم على أمر الله، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه، وفيما يدخل تحت ولايته من الزوجات والأولاد وغيرهم ممن هو تحت ولايته وتصرفه...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
يهيب القرآن بالذين آمنوا ليؤدوا واجبهم في بيوتهم من التربية والتوجيه والتذكير في أن يقوا أ نفسهم وأهليهم من النار... (وقودها الناس والحجارة).. الناس فيها كالحجارة سواء. في مهانة الحجارة وفي رخص الحجارة...
(عليها ملائكة غلاظ شداد). تتناسب طبيعتهم مع طبيعة العذاب الذي هم به موكلون.. (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون).. فمن خصائصهم طاعة الله فيما يأمرهم، ومن خصائصهم كذلك القدرة على النهوض بما يأمرهم.. وهم بغلظتهم هذه وشدتهم موكلون بهذه النار الشديدة الغليظة...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وعبر عن الموعظة والتحذير بالوقاية من النار على سبيل المجاز لأن الموعظة سبب في تجنب ما يفضي إلى عذاب النار أو على سبيل الاستعارة بتشبيه الموعظة بالوقاية من النار على وجه المبالغة في الموعظة. وتنكير « نار» للتعظيم وأجرى عليها وصف بجملة {وقودها الناس والحجارة} زيادة في التحذير لئلا يكونوا من وقود النار...
. وتفظيعاً للنار إذ يكون الحجر عِوضاً لها عن الحَطب...
وجملة {لا يعصون الله ما أمرهم} ثناء عليهم أعقب به وصفهم بأنهم غلاظ شداد تعديلاً لما تقتضيانه من كراهية نفوس الناس إياهم، وهذا مؤذن بأنهم مأمورون بالغلظة والشدة في تعذيب أهل النار. وأما قوله: {ويفعلون ما يؤمرون} فهو تصريح بمفهوم {لا يعصون الله ما أمرهم} دعا إليه مقام الإِطناب في الثناء عليهم، مع ما في هذا التصريح من استحضار الصورة البديعة في امتثالهم لما يؤمرون به...