6- وكما رأيت نفسك في المنام سيداً مطاعاً ، ذا شرف وسلطان ، يصطفيك ربك ويختارك ويعلمك تفسير الرؤى ، وبيان ما تؤول إليه ، فيعظم قدرك وذكرك ، ويتم الله نعمته عليك ، وعلى آل يعقوب ، بالنبوة والرسالة كما أتمها على أبويك من قبل أبيك يعقوب ، وهما إبراهيم وإسحاق ، إن ربك كثير الحكمة فلا يخطئ ، كثير العلم فيصطفي من عباده من يعلم أنه أهل للاصطفاء .
{ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ْ } أي : يصطفيك ويختارك بما يمنُّ به عليك من الأوصاف الجليلة والمناقب الجميلة ، . { وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ْ } أي : من تعبير الرؤيا ، وبيان ما تئول إليه الأحاديث الصادقة ، كالكتب السماوية ونحوها ، { وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ْ } في الدنيا والآخرة ، بأن يؤتيك في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، { كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ْ } حيث أنعم الله عليهما ، بنعم عظيمة واسعة ، دينية ، ودنيوية .
{ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ْ } أي : علمه محيط بالأشياء ، وبما احتوت عليه ضمائر العباد من البر وغيره ، فيعطي كلا ما تقتضيه حكمته وحمده ، فإنه حكيم يضع الأشياء مواضعها ، وينزلها منازلها .
يقول تعالى مخبرا عن قول يعقوب لولده يوسف : إنه كما اختارك{[15067]} ربك ، وأراك هذه الكواكب مع الشمس والقمر ساجدة لك ، { وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ } أي : يختارك ويصطفيك لنبوته ، { وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ } قال مجاهد وغير واحد : يعني تعبير الرؤيا .
{ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } أي : بإرسالك والإيحاء إليك ؛ ولهذا قال : { كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ } وهو الخليل ، { وَإِسْحَاقَ } ولده ، وهو الذبيح في قول ، وليس بالرجيح ، { إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي : [ هو ]{[15068]} أعلم حيث يجعل رسالاته ، كما قال في الآية الأخرى .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبّكَ وَيُعَلّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ وَيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىَ آلِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمّهَآ عَلَىَ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنّ رَبّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل يعقوب لابنه يوسف لما قصّ عليه رؤياه : { وكذلكَ يَجْتَبِيكَ رَبّكَ } : وهكذا يجتبيك ربك . يقول : كما أراك ربك الكواكب والشمس والقمر لك سجودا ، فكذلك يصطفيك ربك . كما :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو العنقزي ، عن أبي بكر الهذليّ ، عن عكرمة : { وكذلكَ يَجْتَبيكَ رَبّكَ } ، قال : يصطفيك .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وكذلكَ يَجْتَبِيكَ رَبّكَ وَيُعَلّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأحادِيثِ } ، فاجتباه ، واصطفاه ، وعلمه من عَبر الأحاديث ، وهو : تأويل الأحاديث .
وقوله : { وَيُعَلّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأحادِيثِ } ، يقول : ويعلمك ربك من علم ما يؤول إليه أحاديث الناس عما يرونه في منامهم ، وذلك تعبير الرؤيا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : { وَيُعَلّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأحادِيثِ } ، قال : عبارة الرؤيا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَيُعَلّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأحادِيثِ } ، قال : تأويل الكلام : العلم والحلم ، وكان يوسف أعبر الناس . وقرأ : { ولَمّا بَلَغَ أشُدّهُ آتَيْناهُ حُكْما وَعِلْما } .
وقوله : { ويُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } ، باجتبائه إياك ، واخيتاره ، وتعليمه إياك تأويل الأحاديث . { وَعلى آلِ يَعْقُوبَ } ، يقول : وعلى أهل دين يعقوب وملته من ذرّيته وغيرهم . { كمَا أتَمّها على أبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إبْرَاهِيمَ وإسْحاقَ } ، باتخاذه هذا خليلاً ، وتنجيته من النار ، وفدية هذا بذبح عظيم . كالذي :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : أخبرنا أبو إسحاق ، عن عكرمة ، في قوله : { وَيُتمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعلى آلِ يَعْقُوبَ كمَا أتَمّها على أبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إبْرَاهِيمَ وَإسْحاقَ } ، قال : فنعمته على إبراهيم أن نجاه من النار ، وعلى إسحاق أن نجاه من الذبح .
وقوله : { إنّ رَبّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } ، يقول : إن ربك عليم بمواضع الفضل ، ومن هو أهل للاجتباء والنعمة ، حكيم في تدبيره خلقه .
{ وكذلك } أي وكما اجتباك لمثل لهذه الرؤيا الدالة على شرف وعز وكمال نفس . { يجتبيك ربك } للنبوة والملك أو لأمور عظام ، والاجتباء من جبيت الشيء إذا حصلته لنفسك . { ويعلّمك } كلام مبتدأ خارج عن التشبيه كأنه قيل وهو يعلمك . { من تأويل الأحاديث } من تعبير الرؤيا لأنها أحاديث الملك إن كانت صادقة ، وأحاديث النفس أو الشيطان إن كانت كاذبة . أو من تأويل غوامض كتب الله تعالى وسنن الأنبياء وكلمات الحكماء ، وهو اسم جمع للحديث كأباطيل اسم جمع للباطل . { ويُتمّ نعمته عليك } بالنبوة أو بأن يصل نعمة الدنيا بنعمة الآخرة . { وعلى آل يعقوب } يريد به سائر بنيه ، ولعله استدل على نبوتهم بضوء الكواكب أو نسله . { كما أتمّها على أبويك } بالرسالة وقيل على إبراهيم بالخلة والإنجاء من النار وعلى إسحاق بإنقاذه من الذبح وفدائه بذبح عظيم . { من قبل } أي من قبلك أو من قبل هذا الوقت . إ{ براهيم وإسحاق } عطف بيان لأبويك . { إن ربك عليم } بمن يستحق الاجتباء . { حكيم } يفعل الأشياء على ما ينبغي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.