المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِدۡرِيسَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (85)

85- واذكر - أيها النبي - لقومك إسماعيل وإدريس وذا الكفل ، كل منهم من الصابرين علي احتمال التكاليف والشدائد .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِدۡرِيسَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (85)

{ 85 - 86 } { وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ }

أي : واذكر عبادنا المصطفين ، وأنبياءنا المرسلين بأحسن الذكر ، وأثن عليهم أبلغ الثناء ، إسماعيل بن إبراهيم ، وإدريس ، وذا الكفل ، نبيين من أنبياء بني إسرائيل { كُلٌّ } من هؤلاء المذكورين { مِنَ الصَّابِرِينَ } والصبر : هو حبس النفس ومنعها ، مما تميل بطبعها إليه ، وهذا يشمل أنواع الصبر الثلاثة : الصبر على طاعة الله والصبر عن معصية الله ، والصبر على أقدار الله المؤلمة ، فلا يستحق العبد اسم الصبر التام ، حتى يوفي هذه الثلاثة حقها . فهؤلاء الأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام ، قد وصفهم الله بالصبر ، فدل أنهم وفوها حقها ، وقاموا بها كما ينبغي .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِدۡرِيسَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (85)

أما إسماعيل فالمراد به ابن إبراهيم الخليل ، عليهما السلام ، وقد تقدم ذكره في سورة مريم ، وكذلك إدريس ، عليه السلام{[19774]} وأما ذو الكفل فالظاهر من السياق أنه ما قرن مع الأنبياء إلا وهو نبي . وقال آخرون : إنما كان رجلا صالحًا ، وكان ملكًا عادلا وحكمًا مقسطًا ، وتوقف ابن جرير في ذلك ، فالله أعلم .

وقال ابن جُرَيج ، عن مجاهد في قوله : { وَذَا الْكِفْلِ } قال : رجل صالح غير نبي ، تكفل لنبي قومه أن يكفيه أمر قومه ويقيمهم له ويقضي بينهم بالعدل ، ففعل ذلك ، فَسُمي : ذا الكفل . وكذا روَى ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد أيضًا .

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عفان ، حدثنا وُهَيب ، حدثنا داود ، عن مجاهد قال : لما كبر اليسع قال : لو أني استخلفت رجلا على الناس يعمل عليهم في حياتي ، حتى أنظر كيف يعمل ؟ فجمع الناس ، فقال : من يتقبل مني بثلاث : أستخلفه يصوم النهار ، ويقوم الليل ، ولا يغضب . قال : فقام رجل تزدريه العين ، فقال : أنا . فقال : أنت تصوم النهار ، وتقوم الليل ، ولا تغضب ؟ قال : نعم ، قال : فردهم{[19775]} ذلك اليوم ، وقال مثلها في اليوم الآخر ، فسكت الناس ، وقام ذلك الرجل وقال{[19776]} أنا . فاستخلفه ، قال : وجعل إبليس يقول للشياطين : عليكم بفلان . فأعياهم ذلك{[19777]} ، قال : دعوني{[19778]} وإياه ، فأتاه في صورة شيخ كبير فقير ، فأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة

- وكان لا ينام الليل والنهار إلا تلك النومة - فدق الباب ، فقال : من هذا ؟ قال : شيخ كبير مظلوم . قال : فقام ففتح الباب ، فجعل يقص عليه ، فقال : إن بيني وبين قومي خصومة ، وإنهم ظلموني ، وفعلوا بي وفعلوا . وجعل يُطَول عليه حتى حضر الرواح وذهبت القائلة ، فقال{[19779]} : إذا رحت فأتني آخذ لك بحقك . فانطلق ، وراح . فكان في مجلسه ، فجعل ينظر هل يرى الشيخ ؟ فلم يره ، فقام يتبعه ، فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس ، وينتظره ولا{[19780]} يراه ، فلما رجع إلى القائلة فأخذ مضجعه ، أتاه فدق الباب ، فقال : من هذا ؟ قال{[19781]} الشيخ الكبير المظلوم . ففتح له{[19782]} فقال : ألم أقل لك إذا قعدت فأتني ؟ قال : إنهم أخبث قوم ، إذا عرفوا{[19783]} أنك قاعد قالوا : نحن نعطيك حقك . وإذا قمت جحدوني . قال : فانطلق ، فإذا رحت فأتني . قال : ففاتته القائلة ، فراح فجعل ينتظره{[19784]} ولا يراه ، وشق عليه النعاس ، فقال لبعض أهله : لا تدعن أحدًا يَقرب هذا الباب حتى أنام ، فإني قد شق عليّ النوم . فلما كان تلك الساعة أتاه{[19785]} فقال له الرجل : وراءك وراءك ؟ فقال : إني قد أتيته أمس ، فذكرت له أمري ، فقال : لا والله لقد أمرنا ألا ندع أحدًا يقربه . فلما أعياه نظر فرأى كُوَّة في البيت ، فتسور منها ، فإذا هو في البيت ، وإذا هو يدق الباب من داخل ، قال : فاستيقظ الرجل فقال : يا فلان ، ألم آمرك ؟ فقال{[19786]} أما من قبلي والله فلم تؤتَ ، فانظر من أين أتيت ؟ قال : فقام إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه ، وإذا الرجل معه في البيت ، فعرفه ، فقال : أعدو الله ؟ قال : نعم ، أعييتني في كل شيء ، ففعلت ما تَرَى لأغضبك . فسماه الله ذا الكفل ؛ لأنه تكفل بأمر فوفى به{[19787]} .

وهكذا رواه بن أبي حاتم ، من حديث زهير بن إسحاق ، عن داود ، عن مجاهد ، بمثله .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن مسلم ، قال : قال ابن عباس : كان قاض في بني إسرائيل ، فحضره الموت ، فقال : من يقوم مقامي على ألا يغضب ؟ قال : فقال رجل : أنا . فسمي ذا الكفل . قال : فكان{[19788]} ليله جميعًا يصلي ، ثم يصبح صائمًا فيقضي بين الناس - قال : وله{[19789]} ساعة يقيلها - قال : فكان كذلك ، فأتاه الشيطان عند نومته ، فقال له أصحابه : ما لك ؟ قال : إنسان مسكين ، له على رجل حق ، وقد غلبني عليه . قالوا : كما أنت حتى يستيقظ - قال : وهو فوق نائم - قال : فجعل يصيح عمدا حتى يوقظه{[19790]} ، قال : فسمع ، فقال : ما لك ؟ قال : إنسان مسكين ، له على رجل حق . قال : اذهب فقل له يعطيك . قال : قد أبى . قال : اذهب أنت إليه . قال : فذهب ، ثم جاء من الغد ، فقال : ما لك ؟ قال : ذهبت إليه فلم يرفع بكلامك رأسًا . قال : اذهب إليه فقل له يعطيك حقك ، قال : فذهب ، ثم جاء من الغد حين قال ، قال : فقال له أصحابه : اخرج ، فعل الله بك ، تجيء كل يوم حين ينام ، لا تدعه ينام ؟ . فجعل{[19791]} يصيح : من أجل أني إنسان مسكين ، لو كنت غنيا ؟ قال : فسمع أيضًا ، فقال : ما لك ؟ قال : ذهبت إليه فضربني . قال : امش حتى أجيء معك . قال : فهو ممسك بيده ، فلما رآه ذهب معه نَثَر يده منه{[19792]} فَفَر .

وهكذا روي عن عبد الله بن الحارث ، ومحمد بن قيس ، وابن حُجَيرة الأكبر ، وغيرهم من السلف ، نحو من هذه القصة ، والله أعلم .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو الجماهر{[19793]} ، أخبرنا سعيد بن بشير ، حدثنا قتادة ، عن أبي كنانة بن الأخنس قال : سمعت الأشعري وهو يقول على هذا المنبر : ما كان ذو الكفل بنبي ، ولكن كان - يعني : في بني إسرائيل - رجل صالح يصلي كل يوم مائة صلاة ، فتكفل له ذو الكفل من بعده ، فكان يصلي كل يوم مائة صلاة ، فسمي ذا الكفل .

وقد رواه ابن جرير من حديث عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة قال : " قال أبو موسى الأشعري . . . " فذكره منقطعا{[19794]} ، والله أعلم .

وقد روى الإمام أحمد حديثًا غريبًا فقال :

حدثنا أسباط بن محمد ، حدثنا الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن سعد{[19795]} مولى طلحة ، عن ابن عمر قال : سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين - حتى عدّ سبع مرات - ولكن قد سمعته أكثر من ذلك ، قال : " كان الكفل من بني إسرائيل ، لا يتورّع من ذنب عمله ، فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا ، على أن يَطَأها ، فلما قعد منها{[19796]} مَقعدَ الرجل من امرأته ، أرعِدَت{[19797]} وبكت ، فقال : ما يبكيك ؟ أكْرَهْتُك ؟ قالت : لا ولكن هذا عمل لم أعمله قط ، وإنما حَمَلني عليه الحاجة . قال : فتفعلين هذا ولم تفعليه قط ؟ فَنزل{[19798]} فقال : اذهبي فالدنانير لك . ثم قال : " والله لا يَعصي الله الكفل أبدًا . فمات من ليلته فأصبح مكتوبًا على بابه : قد غفر الله للكفل " {[19799]} .

هكذا وقع في هذه الرواية " الكفل " ، من غير إضافة ، فالله أعلم . وهذا الحديث لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة{[19800]} ، وإسناده غريب ، وعلى كل تقدير فلفظ الحديث إن كان " الكفل " ، ولم يقل : " ذو الكفل " ، فلعله رجل آخر ، والله أعلم .


[19774]:- انظر : تفسير الآيات : 54 - 57.
[19775]:- في ف ، أ : "فيردهم".
[19776]:- في ف : "فقال"
[19777]:- في ف ، أ : "ذلك الرجل".
[19778]:- في أ : "دعوني أنا وإياه".
[19779]:- في ف : "وقال".
[19780]:- في ف ، أ : "فلا".
[19781]:- في ف : "فقال".
[19782]:- في ف : "ففتح الباب".
[19783]:- في ف ، أ : "اعترفوا".
[19784]:- في ف : "ينتظر".
[19785]:- في ف : "جاءه".
[19786]:- في ت : "قال".
[19787]:- تفسير الطبري (17/59).
[19788]:- في ف : "فقال".
[19789]:- في ف : "فله".
[19790]:- في ف : "يغضبه".
[19791]:- في ف ، أ : "قال : فجعل".
[19792]:- في أ : "منه فذهب".
[19793]:- في ف ، أ : "أبو الجماهير".
[19794]:- تفسير الطبري (17/60).
[19795]:- في ف ، أ : "سعيد".
[19796]:- في أ : "معها".
[19797]:- في أ : "ارتعدت".
[19798]:- في ف : "ثم نزل".
[19799]:- المسند (2/23).
[19800]:- قلت : بل أخرجه الترمذي في السنن برقم (2496) من طريق عبيد بن أسباط عن أبيه به ، وقال : "هذا حديث حسن قد رواه شيبان وغير واحد عن الأعمش نحو هذا ورفعوه وروى بعضهم عن الأعمش فلم يرفعه".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِدۡرِيسَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (85)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلّ مّنَ الصّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنّهُمْ مّنَ الصّالِحِينَ } .

يعني تعالى ذكره بإسماعيل بن إبراهيم صادق الوعد ، وبإدريس : أخنوخ ، وبذي الكفل : رجلاً تكفل من بعض الناس ، إما من نبيّ وإما من ملك من صالحي الملوك بعمل من الأعمال ، فقام به من بعده ، فأثني الله عليه حسن وفائه بما تكفل به وجعله من المعدودين في عباده ، مع من حمد صبره على طاعة الله . وبالذي قلنا في أمره جاءت الأخبار عن سلف العلماء . ذكر الرواية بذلك عنهم :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن الحارث : أن نبيّا من الأنبياء ، قال : من تكفل لي أن يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب ؟ فقام شاب فقال : أنا . فقال : اجلس : ثم عاد فقال : من تكفل لي أن يقوم الليل ويصوم النهار ولا يغضب ؟ فقام ذلك الشاب فقال : أنا . فقال : اجلس ثم عاد فقال : من تكفل لي أن يقوم الليل ويصوم النهار ولا يغضب ؟ فقام ذلك الشاب فقال : أنا فقال : تقوم الليل وتصوم النهار ولا تغضب . فمات ذلك النبيّ ، فجلس ذلك الشاب مكانه يقضي بين الناس ، فكان لا يغضب . فجاءه الشيطان في صورة إنسان ليُغضبه وهو صائم يريد أن يَقِيل ، فضرب الباب ضربا شديدا ، فقال : من هذا ؟ فقال : رجل له حاجة . فأرسل معه رجلاً ، فقال : لا أرضى بهذا الرجل . فأرسل معه آخر ، فقال : لا أرضى بهذا . فخرج إليه فأخذ بيده فانطلق معه ، حتى إذا كان في السوق خلاّه وذهب ، فسُمّي ذا الكفل .

حدثنا ابن المثني ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا وهيب ، قال : حدثنا داود ، عن مجاهد ، قال : لما كبر اليسع قال : لو أني استخلفت على الناس رجلاً يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يعمل . قال : فجمع الناس ، فقال : من يَتَقَبّلْ لي بثلاث أستخلفه : يصوم النهار ، ويقوم الليل ، ولا يغضب ؟ قال : فقام رجل تزدريه العين ، فقال : أنا . فقال : أنت تصوم النهار وتقوم الليل ولا تغضب ؟ قال : نعم . قال : فردّهم ذلك اليوم ، وقال مثلها اليوم الاَخر ، فسكت الناس وقام ذلك الرجل ، فقال : أنا . فاسْتَخْلَفَه . قال : فجعل إبليس يقول للشياطين : عليكم بفلان فأعياهم ، فقال : دعوني وإياه فأتاه في صورة شيخ كبير فقير ، فأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة ، وكان لا ينام الليل والنهار إلا تلك النومة ، فدقّ الباب ، فقال : من هذا ؟ قال : شيخ كبير مظلوم . قال : فقام ففتح الباب ، فجعل يقصّ عليه ، فقال : إن بيني وبين قومي خصومة ، وإنهم ظلموني وفعلوا بي وفعلوا . فجعل يطوّل عليه ، حتى حضر الرّواح وذهبت القائلة ، وقال : إذا رحت فأتنى آخذ لك بحقك فانطلق وراح ، فكان في مجلسه ، فجعل ينظر هل يرى الشيخ ، فلم يره ، فجعل يبتغيه . فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس وينتظره فلا يراه . فلما رجع إلى القائلة ، فأخذ مضجعه ، أتاه فدقّ الباب ، فقال : من هذا ؟ قال : الشيخ الكبير المظلوم . ففتح له ، فقال : ألم أقل لك إذا قعدت فأْتني ؟ فقال : إنهم أخبث قوم ، إذا عرفوا أنك قاعد قالوا نحن نعطيك حقك ، وإذا قمت جحدوني . قال : فانطلِقْ فإذا رحت فأتني قال : ففاتته القائلة ، فراح فجعل ينظر فلا يراه ، فشقّ عليه النعاس ، فقال لبعض أهله : لا تدعُنّ أحدا يقرب هذا الباب حتى أنام ، فإني قد شقّ عليّ النوم فلما كان تلك الساعة جاء ، فقال له الرجل وراءَك ، فقال : إني قد أتيته أمس فذكرت له أمري ، قال : والله لقد أمرنا أن لا ندع أحدا يقربه . فلما أعياه نظر فرأى كوّة في البيت ، فتسوّر منها ، فإذا هو في البيت ، وإذا هو يدقّ الباب ، قال : واستيقظ الرجل فقال : يا فلان ، ألم آمرك ؟ قال : أما من قِبلى والله فلم تُؤْتَ ، فانظر من أين أُتِيتَ قال : فقام إلى الباب ، فإذا هو مغلق كما أغلقه ، وإذا هو معه في البيت ، فعرفه فقال : أعدوّ الله ؟ قال : نعم أعييتني في كل شيء ، ففعلت ما ترى لأغضبك . فسماه ذا الكفل ، لأنه تكفل بأمر فوفى به .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله : وَذَا الكِفْلِ قال رجل صالح غير نبيّ ، تكفل لنبيّ قومه أن يكفيه أمر قومه ويقيمه لهم ويقضي بينهم بالعدل ، ففعل ذلك ، فسُمّي ذا الكِفل .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه ، إلا أنه قال : ويقضي بينهم بالحقّ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن قيس قال : كان في بني إسرائيل مِلك صالح ، فكبر ، فجمع قومه فقال : أيكم يكفل لي بمُلكي هذا على أن يصوم النهار ويقوم الليل ويحكم بين بني إسرائيل بما أنزل الله ولا يغضب ؟ قال : فلم يقم أحد إلا فتى شاب ، فازدراه لحداثة سنه ، فقال : أيكم يكفل لي بملكي هذا على أن يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب ويحكم بين بني إسرائيل بما أنزل الله ؟ فلم يقم إلا ذلك الفتى قال : فازدراه . فلما كانت الثالثة قال مثل ذلك ، فلم يقم إلا ذلك الفتى ، فقال : تعال فخلى بينه وبين ملكه . فقالم الفتى ليلة فلما أصبح جعل يحكم بين بني إسرائيل فلما انتصف النهار دخل ليقيل ، فأتاه الشيطان في صورة رجل من بني آدم ، فجذب ثوبه ، فقال : أتنام والخصوم ببابك ؟ قال : إذا كان العشية فأتني قال فانتظره بالعشيّ فلم يأته فلما انتصف النهار دخل ليَقِيل ، جذب ثوبه وقال : أتنام والخصوم على بابك ؟ قال : قلت لك : ائتني العشيّ فلم تأتني ، ائتني ، بالعشيّ فلما كان بالعشيّ انتظره فلم يأت فلما دخل ليقيل جذب ثوبه ، فقال : أتنام والخصوم ببابك ؟ قال : أخبرني من أنت ، لو كنت من الإنس سمعت ما قلت قال : هو الشيطان ، جئت لأفتنك فعصمك الله مني . فقضي بين بني إسرائيل بما أنزل الله زمانا طويلاً ، وهو ذو الكفل ، سُمي ذا الكفل لأنه تكفل بالملك .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، عن أبي موسى الأشعريّ ، قال وهو يخطب الناس : إن ذا الكفل لم يكن نبيّا ولكن كان عبدا صالحا ، تكفل بعمل رجل صالح عند موته ، كان يصلي لله كل يوم مئة صلاة ، فأحسن الله عليه الثناء في كفالته إياه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم ، قال : حدثنا عمرو ، قال : أمّا ذو الكفل فإنه كان على بني إسرائيل مَلِك فلما حضره الموت ، قال : من يكفل لي أن يكفيني بني إسرائيل ولا يغضب ويصلي كل يوم مئة صلاة ؟ فقال ذو الكفل : أنا . فجعل ذو الكفل يقضي بين الناس ، فإذا فرغ صلى مئة صلاة . فكاده الشيطان ، فأمهله حتى إذا قضي بين الناس وفرغ من صلاته وأخذ مضجعه فنام ، أتى الشيطان بابه فجعل يدقه ، فخرج إليه ، فقال : ظُلمت وصُنع بي فأعطاه خاتمه وقال : اذهب فأتني بصاحبك وانتظره ، فأبطأ عليه الاَخر ، حتى إذا عرف أنه قد نام وأخذ مضجعه ، أتى الباب أيضا كي يغضبه ، فجعل يدقه ، وخدش وجه نفسه فسالت الدماء ، فخرج إليه فقال : ما لك ؟ فقال : لم يتبعني ، وضُربت وفُعل فأخذه ذو الكفل ، وأنكر أمره ، فقال : أخبرني من أنت ؟ وأخذه أخذا شديدا ، قال : فأخبره من هو .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : وَذَا الكِفْل قال : قال أبو موسى الأشعريّ : لم يكن ذو الكفل نبيّا ، ولكنه كَفَل بصلاة رجل كان يصلي كل يوم مئة صلاة ، فوفى ، فكفل بصلاته ، فلذلك سُمي ذا الكفل .

ونُصِبَ «إسماعيل » و «إدريس » و «ذا الكفل » ، عطفا على «أيوب » ، ثم استؤنف بقوله : كُلّ فقال : كُلّ مِنَ الصّابِرِينَ ومعنى الكلام : كلهم من أهل الصبر فيما نابهم في الله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِدۡرِيسَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (85)

{ وإسماعيل وإدريس وذا الكفل } يعني إلياس ، وقيل يوشع ، وقيل زكريا سمي به لأنه كان ذا حظ من الله تعالى أو تكفل أمته أو له ضعف عمل أنبياء زمانه وثوابهم ، والكفل يجيء بمعنى النصيب والكفالة والضعف . { كل } كل هؤلاء . { من الصابرين } على مشاق التكاليف وشدائد النوب .