{ 10 - 12 } { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ * قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ * ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ }
يخبر تعالى عن الفضيحة والخزي الذي يصيب الكافرين ، وسؤالهم الرجعة ، والخروج من النار ، وامتناع ذلك عليهم وتوبيخهم ، فقال : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } أطلقه ليشمل أنواع الكفر كلها ، من الكفر بالله ، أو بكتبه ، أو برسله ، أو باليوم الآخر ، حين يدخلون النار ، ويقرون أنهم مستحقونها ، لما فعلوه من الذنوب والأوزار ، فيمقتون أنفسهم لذلك أشد المقت ، ويغضبون عليها غاية الغضب ، فينادون عند ذلك ، ويقال لهم : { لَمَقْتُ اللَّهِ } أي : إياكم { إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } أي : حين دعتكم الرسل وأتباعهم إلى الإيمان ، وأقاموا لكم من البينات ما تبين به الحق ، فكفرتم وزهدتم في الإيمان الذي خلقكم الله له ، وخرجتم من رحمته الواسعة ، فمقتكم وأبغضكم ، فهذا { أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ } أي : فلم يزل هذا المقت مستمرًا عليكم ، والسخط من الكريم حَالَّا بكم ، حتى آلت بكم الحال إلى ما آلت ، فاليوم حلَّ عليكم غضب الله وعقابه حين نال المؤمنون رضوان الله وثوابه .
يقول تعالى مخبرًا عن الكفار : أنهم يُنَادَون يوم القيامة وهم في غَمَرات النيران يتلظون ، وذلك عندما {[25443]} باشروا من عذاب الله ما لا قِبَل لأحد به ، فمقتوا عند ذلك أنفسهم وأبغضوها غاية البغض ، بسبب ما أسلفوا {[25444]} من الأعمال السيئة ، التي كانت سبب دخولهم إلى النار ، فأخبرتهم الملائكة عند ذلك إخبارا عاليا ، نادوهم [ به ] {[25445]} نداء بأن مقت الله لهم في الدنيا حين كان يُعرض عليهم الإيمان ، فيكفرون ، أشد من مقتكم أيها المعذبون أنفسكم اليوم في هذه الحالة .
قال قتادة في قوله : { لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } يقول : لمقتُ الله أهل الضلالة حين عُرض عليهم الإيمان في الدنيا ، فتركوه وأبوا أن يقبلوه ، أكبر مما مقتوا أنفسهم حين عاينوا عذاب الله يوم القيامة {[25446]} .
وهكذا قال الحسن البصري ومجاهد والسدي وذَرُّ بن عبد الله {[25447]} الهَمْداني ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وابن جرير الطبري ، رحمهم الله .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللّهِ أَكْبَرُ مِن مّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ * قَالُواْ رَبّنَآ أَمَتّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىَ خُرُوجٍ مّن سَبِيلٍ } .
يقول تعالى ذكره : إن الذين كفروا بالله ينادون في النار يوم القيامة إذا دخلوها ، فمقتوا بدخولهموها أنفسهم حين عاينوا ما أعدّ الله لهم فيها من أنواع العذاب ، فيقال لهم : لَمَقْتُ الله إياكم أيها القوم في الدنيا ، إذ تدعون فيها للإيمان بالله فتكفرون ، أكبر من مقتكم اليوم أنفسكم لما حلّ بكم من سخط الله عليكم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : لَمَقْتُ الله أكْبَرُ قال : مقتوا أنفسهم حين رأوا أعمالهم ، ومقت الله إياهم في الدنيا ، إذ يدعون إلى الإيمان ، فيكفرون أكبر .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللّهِ أكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أنْفُسَكُمْ إذْ تُدْعونَ إلى الإيمانِ فَتَكْفُرُونَ يقول : لمقت الله أهل الضلالة حين عرض عليهم الإيمان في الدنيا ، فتركوه ، وأبوا أن يقبلوا ، أكبرُ مما مقتوا أنفسهم ، حين عاينوا عذاب الله يوم القيامة .
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدّي قوله : إنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنَادُوْنَ لَمَقْتُ اللّهِ أكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أنْفُسَكُمْ في النار إذْ تَدْعُونَ إلى الإيمانِ في الدنيا فَتَكْفُرُونَ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله يُنَادُونَ لَمَقْتُ اللّهِ . . . الاَية ، قال : لما دخلوا النار مقتوا أنفسهم في معاصي الله التي ركبوها ، فنُودوا : إن مقت الله إياكم حين دعاكم إلى الإسلام أشدّ من مقتكم أنفسكم اليوم حين دخلتم النار .
واختلف أهل العربية في وجه دخول هذه اللام في قوله : لَمَقْتُ اللّهِ أكْبَرُ فقال بعض أهل العربية من أهل البصرة : هي لام الابتداء ، كأن ينادون يقال لهم ، لأن في النداء قول قال : ومثله في الإعراب يقال : لزيد أفضل من عمرو . وقال بعض نحوييّ الكوفة : المعنى فيه : ينادون إن مقت الله إياكم ، ولكن اللام تكفي من أن تقول في الكلام : ناديت أنّ زيدا قائم ، قال : ومثله قوله : ثُمّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ لَيَسْجُنُنّهُ حتى حِينِ اللام بمنزلة «إن » في كلّ كلام ضارع القول مثل ينادون ويخبرون ، وأشباه ذلك .
وقال آخر غيره منهم : هذه لام اليمين ، تدخل مع الحكاية ، وما ضارع الحكاية لتدلّ على أن ما بعدها ائتناف . قال : ولا يجوز في جوابات الأيمان أن تقوم مقام اليمين ، لأن اللام كانت معها النون أو لم تكن ، فاكتفى بها من اليمين ، لأنها لا تقع إلا معها .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : دخلت لتؤذن أن ما بعدها ائتناف وأنها لام اليمين .
وقوله : رَبّنا أمَتّنا اثْنَتَيْنِ وأحْيَيْتَنا اثْنَتَيْنِ قد أتينا عليه في سورة البقرة ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع ، ولكنا نذكر بعض ما قال بعضم فيه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أمَتَنّا اثْنَتَيْنِ وأحْيَيْتَنا اثْنَتَيْنِ قال : كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم ، فأحياهم الله في الدنيا ، ثم أماتهم الموتة التي لا بدّ منها ، ثم أحياهم للبعث يوم القيامة ، فهما حياتان وموتتان .
وحُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : أمَتّنا اثْنَتَيْنِ وأحْيَيْتَنا اثْنَتَيْنِ هو قول الله كَيْفَ تَكْفُرُونَ باللّهِ وكُنْتُمْ أمْوَاتا فأحْياكُمْ ثُمّ يُمِيتُكُمْ ثُمّ يُحْيِيكُمْ ثُمّ إلَيْهِ تُرْجِعُونَ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.