إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوۡنَ لَمَقۡتُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُ مِن مَّقۡتِكُمۡ أَنفُسَكُمۡ إِذۡ تُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلۡإِيمَٰنِ فَتَكۡفُرُونَ} (10)

{ إِنَّ الذين كَفَرُواْ } شروعٌ في بيانِ أحوالِ الكفرة بعدَ دخولِهم النَّارَ بعدَما بينَ فيما سبقَ أنهُمْ أصحابُ النارِ { يُنَادَوْنَ } أيْ مِنْ مكانٍ بعيدٍ وهُمْ في النارِ وقَدْ مقتُوا أنفسَهُم الأمَّارةَ بالسُّوءِ التي وقعُوا فيمَا وقعُوا باتباعِ هَوَاهَا أوْ مقَتَ بعضُهم بعضاً من الأحبابِ كقولِه تَعَالَى : { يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } [ سورة العنكبوت ، الآية25 ] أيْ أبغضوهَا أشدَّ البغضِ وَأنكروهَا أبلغَ الإنكارِ وَأظهرُوا ذلكَ على رؤوسِ الأشهادِ فيقالُ لهم عندَ ذلكَ { لَمَقْتُ الله أَكْبَرُ مِن مقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ } أيْ لمقتُ الله أنفسَكُم الأمَّارةَ بالسوءِ أوُ مقتُه إِيَّاكم في الدُّنيا { إِذْ تَدْعُونَ } منْ جهةِ الأنبياءِ { إِلَى الإيمان } فتأبَوْنَ قَبولَهُ { فَتَكْفُرُونَ } اتّباعاً لأنفسكمْ الأمَّارةِ ومسارعةً إِلى هَوَاها أوِ اقتداءً بِأَخِلاَّئِكُم المضلينَ واستحباباً لآرائِهم أكبرُ منْ مقتِكم أنفسَكُم الأمارةَ بالسوءِ أوْ مِنْ مقتِ بعضِكم بعضاً اليومَ فإذ ظرفٌ للمقتِ الأولِ وإنْ توسطَ بينَهما الخبرُ لما فِي الظروفِ من الاتساعِ وقيل : لمصدرٍ آخرَ مقدرٍ أيْ مقتُه إيَّاكم إذْ تدعونَ وقيلَ : مفعولٌ لأذكرُوا والأولُ هو الوجْه وقيلَ : كلا المقتينِ في الآخرةِ وإذْ تدعَونَ تعليلٌ لَما بينَ الظرفِ والسببِ منْ علاقةِ اللزومِ والمعنى لمقتُ الله إِيَّاكم الآنَ أكبرُ منْ مقتكم أنفسَكم لمَّا كنتمُ تُدعَونَ إِلى الإيمانِ فتكفرونَ ، وتخصيصُ هَذَا الوجهِ بصورةِ كونِ المرادِ بأنفسِهم أضرابَهُم مما لاَ دَاعيَ إليهِ .