مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوۡنَ لَمَقۡتُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُ مِن مَّقۡتِكُمۡ أَنفُسَكُمۡ إِذۡ تُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلۡإِيمَٰنِ فَتَكۡفُرُونَ} (10)

قوله تعالى : { إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون * قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل * ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير } .

اعلم أنه تعالى لما عاد إلى شرح أحوال الكافرين المجادلين في آيات الله وهم الذين ذكرهم الله في قوله { ما يجادل في ءايات الله إلا الذين كفروا } بين أنهم في القيامة يتعرفون بذنوبهم واستحقاقهم العذاب الذي ينزل بهم ويسألون الرجوع إلى الدنيا ليتلافوا ما فرط منهم فقال : { إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم } وفي الآية مسائل :

المسألة الأولى : في الآية حذف وفيها أيضا تقديم وتأخير ، أما الحذف فتقديره لمقت الله إياكم ، وأما التقديم والتأخير فهو أن التقدير أن يقال لمقت الله لكم حال ما تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم وفي تفسير مقتهم أنفسهم وجوه : ( الأول ) أنهم إذا شاهدوا القيامة والجنة والنار مقتوا أنفسهم على إصرارهم على التكذيب بهذه الأشياء في الدنيا ( الثاني ) أن الأتباع يشتد مقتهم للرؤساء الذين دعوهم إلى الكفر في الدنيا ، والرؤساء أيضا يشتد مقتهم للأتباع فعبر عن مقت بعضهم بعضا بأنهم مقتوا أنفسهم ، كما أنه تعالى قال : { فاقتلوا أنفسكم } والمراد قتل بعضهم بعضا ، ( الثالث ) قال محمد بن كعب إذا خطبهم إبليس وهم في النار بقوله { وما كان لي عليكم من سلطان } - إلى قوله - { ولوموا أنفسكم } ففي هذه الحالة مقتوا أنفسهم ، واعلم أنه لا نزاع أن مقتهم أنفسهم إنما يحصل في يوم القيامة ، أما مقت الله لهم ففيه وجهان : ( الأول ) أنه حاصل في الآخرة ، والمعنى لمقت الله لكم في هذا الوقت أشد من مقتكم أنفسكم في هذا الوقت ( والثاني ) وعليه الأكثرون أن التقدير لمقت الله لكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون ، أكبر من مقتكم أنفسكم الآن ففي تفسير الألفاظ المذكورة في الآية أوجه ( الأول ) أن الذين ينادونهم ويذكرون لهم هذا الكلام هم خزنة جهنم ( الثاني ) المقت أشد البغض وذلك في حق الله تعالى محال ، فالمراد منه أبلغ الإنكار والزجر ( الثالث ) قال الفراء { ينادون لمقت الله } معناه إنهم ينادون إن مقت الله أكبر يقال ناديت إن زيدا قائم وإن زيدا لقائم ( الرابع ) قوله { إذ تدعون إلى الإيمان } فيه حذف والتقدير لمقت الله لكم إذ تدعون إلى الإيمان فتأتون بالكفر أكبر من مقتكم الآن أنفسكم .