السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوۡنَ لَمَقۡتُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُ مِن مَّقۡتِكُمۡ أَنفُسَكُمۡ إِذۡ تُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلۡإِيمَٰنِ فَتَكۡفُرُونَ} (10)

ثم إنه تعالى بعد أن ذكر أحوال المؤمنين عاد إلى ذكر أحوال الكافرين المجادلين في آيات الله تعالى وهم المذكورون في قوله تعالى : { ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا } ( غافر : 4 ) فقال تعالى مستأنفاً مؤكداً لإنكارهم آيات الله تعالى : { إن الذين كفروا } أي : أوقعوا الكفر ولو لحظة { ينادون } يوم القيامة وهم في النار وقد مقتوا أنفسهم حين عرض عليهم سيئاتهم وعاينوا العذاب فيقال لهم : { لمقت الله } أي : الملك الأعظم إياكم { أكبر } والتقدير : لمقت الله لأنفسكم أكبر { من مقتكم أنفسكم } فاستغنى بذكرها مرة وقوله تعالى : { إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون } منصوب بالمقت الأول والمعنى : أنه يقال لهم يوم القيامة : كان الله تعالى يمقت أنفسكم الأمارة بالسوء والكفر حين كان يدعوكم إلى الإيمان فتأبون قبوله وتختارون عليه الكفر ، أشد ما تمقتونهن اليوم وأنتم في النار إذا وقعتم فيها باتباعكم هواهن . وذكروا في تفسير مقتهم أنفسهم وجوهاً ؛ أولها : أنهم إذا شاهدوا القيامة والجنة والنار مقتوا أنفسهم على إصرارهم على التكذيب بهذه الأشياء في الدنيا . ثانيها : أن الأتباع يشتد مقتهم للرؤساء الذين يدعونهم إلى الكفر في الدنيا ، والرؤساء أيضاً يشتد مقتهم للأتباع فعبر عن مقت بعضهم بعضاً بأنهم مقتوا أنفسهم كقوله تعالى : { اقتلوا أنفسكم } ( النساء : 66 ) والمراد أن يقتل بعضكم بعضاً . ثالثها : قال محمد بن كعب : إذا خطبهم إبليس وهو في النار بقوله : { ما كان لي عليكم من سلطان } إلى قوله { ولوموا أنفسكم } ( إبراهيم : 22 ) ، ففي هذه الحالة مقتوا أنفسهم . وأما الذين ينادون الكفار بهذا الكلام فهم خزنة جهنم ، وعن الحسن : لما رأوا أعمالهم الخبيثة مقتوا أنفسهم فنودوا لمقت الله أكبر ، وقيل : معناه لمقت الله إياكم الآن أكبر من مقت بعضكم لبعض كقوله تعالى : { يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً } ( العنكبوت : 25 ) و{ إذ تدعون } تعليل ، والمقت : أشد البغض وذلك في حق الله تعالى محال فالمراد منه : أبلغ الإنكار وأشده ، وعن مجاهد : مقتوا أنفسهم حين رأوا أعمالهم ومقت الله تعالى إياهم في الدنيا ، إذ يدعون إلى الإيمان فيكفرون أكبر ، وقال الفراء : معناه : ينادون إن مقت الله يقال : ناديت أن زيداً قائم وناديت لزيد قائم ، وقرأ أبو عمرو وهشام وحمزة والكسائي بإدغام الذال في التاء والباقون بالإظهار .