المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلۡإِبِلِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَيۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۖ أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ وَصَّىٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَٰذَاۚ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗا لِّيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيۡرِ عِلۡمٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (144)

144- وخلق الله من الإبل زوجين ، ومن البقر زوجين . قل لهم يا محمد منكراً عليهم : ما علة التحريم لما حرمتم من هذه الأزواج كما تزعمون ؟ أهي كونها ذكوراً ؟ ليس كذلك ، لأنكم تحلون الذكور أحياناً ، أهي كونها إناثاً ؟ ليس كذلك لأنكم تحلون الإناث أحياناً ، أم هي اشتمال الأرحام عليها ؟ ليس كذلك لأنكم لا تحرمون الأجنة على الدوام ، وتزعمون أن هذا التحريم من عند الله ! أكنتم حاضرين حين وجه إليكم الله هذا التحريم فسمعتم نهيه ؟ لم يكن ذلك قطعاً . انتهوا عما أنتم فيه ، فهو ظلم ، وليس هناك أظلم ممن كذب على الله فنسب إليه ما لم يصدر عنه ، ولا سند له من علم يعتمد عليه ، وإنما يريد بذلك إضلال الناس . إن الله لا يوفق الظالمين إذا اختاروا طريق الباطل .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلۡإِبِلِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَيۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۖ أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ وَصَّىٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَٰذَاۚ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗا لِّيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيۡرِ عِلۡمٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (144)

ثم ذكر في الإبل والبقر مثل ذلك . فلما بين بطلان قولهم وفساده ، قال لهم قولًا لا حيلة لهم في الخروج من تبعته ، إلا في اتباع شرع الله . { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ } أي : لم يبق عليكم إلا دعوى ، لا سبيل لكم إلى صدقها وصحتها . وهي أن تقولوا : إن الله وصَّانا بذلك ، وأوحى إلينا كما أوحى إلى رسله ، بل أوحى إلينا وحيا مخالفا لما دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب ، وهذا افتراء لا يجهله أحد ، ولهذا قال : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي : مع كذبه وافترائه على الله ، قصده بذلك إضلال عباد الله عن سبيل الله ، بغير بينة منه ولا برهان ، ولا عقل ولا نقل . { إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } الذين لا إرادة لهم في غير الظلم والجور ، والافتراء على الله .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلۡإِبِلِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَيۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۖ أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ وَصَّىٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَٰذَاۚ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗا لِّيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيۡرِ عِلۡمٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (144)

136

وبقية الأزواج ذكر وأنثى من الإبل ؛ وذكر وأنثى من البقر . فأيها كذلك حرم ؟ أم أجنتها هي التي حرمها الله على الناس ؟ ومن أين هذا التحريم :

( أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا ؟ ) . .

فحضرتم وشهدتم وصية الله لكم خاصة بهذا التحريم . فما ينبغي أن يكون هناك تحريم بغير أمر من الله مستيقن ، لا يرجع فيه إلى الرجم والظنون .

وبهذا يرد أمر التشريع كله إلى مصدر واحد . . وقد كانوا يزعمون أن الله هو الذي شرع هذا الذي يشرعونه . لذلك يعاجلهم بالتحذير والتهديد :

( فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم . إن الله لا يهدي القوم الظالمين )

إنه لا أحد أظلم ممن يفتري على الله شريعة لم يأذن بها ، ثم يقول : شريعة الله ! وهو يقصد أن يضل الناس بغير علم ، إنما هو يحيلهم إلى هدى أو ظن . . أولئك لن يهديهم الله ؛ فقد قطعوا ما بينهم وبين أسباب الهدى . وأشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا . . والله لا يهدي القوم الظالمين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلۡإِبِلِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَيۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۖ أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ وَصَّىٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَٰذَاۚ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗا لِّيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيۡرِ عِلۡمٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (144)

القول في هذه الآية في المعنى وترتيب التقسيم كالقول المتقدم في قوله { من الضأن اثنين ومن المعز اثنين } [ الأنعام : 143 ] وكأنه قال أنتم الذين تدعون أن الله حرم خصائص من هذه الأنعام ، لا يخلو تحريمه من أن يكون في { الذكرين } أو فيما { اشتملت عليه أرحام الأنثين } لكنه لم يحرم لا هذا ولا هذا فلم يبق إلا أنه لم يقع تحريم .

وقوله تعالى : { أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا } الآية استفهام على جهة التوبيخ ، إذ لم يبق لهم الادعاء المحال والتقوّل أنهم شاهدوا وصية الله لهم بهذا ، و { شهداء } جمع شهيد ، ثم تضمن قوله تعالى : { فمن أظلم } ذكر حال مفتري الكذب على الله وتقرير إفراط ظلمه ، وقال السدي : كان الذين سيبوا وبحروا يقولون : الله أمرنا بهذا ثم بيّن تعالى سوء مقصدهم بالافتراء لأنه لو افترى أحد فرية على الله لغير معنى لكان ظلماً عظيماً فكيف إذا قصد بها إضلال أمة ، وقد يحتمل أن تكون اللام في { ليضل } لام صيرورة ، ثم جزم الحكم لا رب غيره بأنه { لا يهدي القوم الظالمين } ، أي لا يرشدهم ، وهذا عموم في الظاهر وقد تبين تخصيصه مما يقتضيه الشرع أن الله يهدي ظلمة كثيرة بالتوبة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلۡإِبِلِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَيۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۖ أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ وَصَّىٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَٰذَاۚ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗا لِّيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيۡرِ عِلۡمٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (144)

فقال الفخر : « أطبق المفسّرون على أنّ تفسير هذه الآية أنّ المشركين كانوا يحرّمون بعض الأنعام فاحتجّ الله على إبطال قولهم بأنْ ذكَرَ الضأن والمعز والإبل والبقر . وذكر من كلّ واحد من هذه الأربعة زوجين ذكراً وأنثى ، ثمّ قال : إن كان حُرّم منها الذّكر وجب أن يكون كلّ ذكورها حراماً ، وإن كان حُرم الأنثى وجب أن يكون كلّ إناثها حراماً ، وأنَّه إن كان حرّم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين وجب تحريم الأولاد كلّها » . حاصل المعنى نفي أن يكون الله حرّم شيئاً ممّا زعموا تحريمه إياه بطريق السبّر والتّقسيم وهو من طريق الجدل .

قلت : هذا ما عزاه الطّبري إلى قتادة ، ومجاهد ، والسدّي ، وهذا لا يستقيم لأنّ السبر غير تامّ إذ لا ينحصر سبب التّحريم في النّوعيّة بل الأكثر أنّ سببه بعض أوصاف الممنوع وأحواله .

وقال البغوي : قالوا : { هذه أنعَام وحرث حجر } [ الأنعام : 138 ] وقالوا : { ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرّم على أزواجنا } [ الأنعام : 139 ] وحرّموا البحيرة والسّائبة والوصيلة والحامي ، فلمّا قام الإسلام جَادَلوا النّبيء صلى الله عليه وسلم وكان خطيبهم مالكَ بن عوف الجُشَمي قالوا : يا محمّد بلغَنا أنَّك تحرّم أشياء ممّا كان آباؤنا يفعلونه .

فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّكم قد حرّمتم أصنافاً من النّعم على غير أصل ، وإنَّما خلق الله هذه الأزواج الثّمانية للأكل والانتفاع بها ، فمِن أيْن جاء هذا التّحريم أمِن قِبلَ الذّكر أم من قِبَل الأنثى . فسكت مالك بن عوف وتحيَّر اهـ ( أي وذلك قبل أن يُسلم مالك بن عوف ) ولم يعزه البغوي إلى قائل وهو قريب ممّا قاله قتادة والسّدي ومجاهد فتبيّن أنّ الحجاج كلّه في تحريم أكل بعض هذه الأنواع من الأنعام ، وفي عدم التّفرقة بين ما حرّموا أكله وما لم يحرّموه مع تماثل النّوع أو الصنف .

والّذي يؤخذ من كلام أئمَّة العربيّة في نظم الاستدلال على المشركين أنّ الاستفهام في قوله : { ءآلذكرين حرم } في الموضعين . استفهام إنكاري ، قال في « الكشاف » الهمزة في { ءآلذكرين } للإنكار . والمعنى : إنكار أن يحرّم الله تعالى من جنسي الغنم شيئاً من نوعي ذكورها وإناثها وما تحمل إناثها وكذلك في جنسي الإبل والبقر ، وبيّنه صاحب « المفتاح » في باب الطلب بقوله : وإن أردتَ به ( أي بالاستفهام ) الإنكا فانسجه على منوال النّفي فَقُل ( في إنكار نفس الضرب ) أضربت زيداً ، وقل ( في إنكار أن يكون للمخاطب مضروبٌ ) أزيداً ضربت أم عمراً ، فإنَّك إذا أنكرت من يُردّد الضّرب بينهما ( أي بزعمه ) تولّد منه ( أي من الإنكار عليه ) إنكار الضرب على وجه بُرهاني ومنه قوله تعالى : { ءآلذكرين حرم أم الأنثيين } . قال شارحه القطب الشّيرازي : لاستلزام انتفاء محلّ التّحريم انتفاءَ التّحريم لأنَّه عرض يمتنع وجوده ، أي التّحريم ، دون محلّ يقوم به فإذا انتفى ( أي محلّه ) انتفى هو أي التّحريم ا هـ .

أقول وجه الاستدلال : أنّ الله لو حرّم أكل بعض الذّكور من أحد النّوعين لحرّم البعضَ الآخر ، ولو حرّم أكل بعض الإناث لحرّم البعض الآخر . لأنّ شأن أحكام الله أن تكون مطّردة في الأشياء المتّحدة بالنّوع والصّفة ، ولو حَرّم بعض ما في بطون الأنعام على النّساء لحرّم ذلك على الرّجال ، وإذْ لم يحرّم بعضها على بعض مَع تماثل الأنواع والأحوال . أنتجَ أنَّه لم يحرّم البعض المزعوم تحريمُه ، لأنّ أحكام الله منوطة بالحكمة ، فدلّ على أنّ ما حرّموه إنَّما حرّموه من تلقاء أنفسهم تحكّماً واعتباطاً ، وكان تحريمهم ما حرّموه افتراءً على الله . ونهضت الحجّة عليهم ، الملجئةُ لهم ، كما أشار إليه كلام النّبيء صلى الله عليه وسلم لمالك بن عوف الجُشمي المذكورُ آنفاً ، ولذلك سَجَّل عليهم بقوله : { نبئوني بعلم إن كنتم صادقين } فقوله : { ءآلذكرين حرم } أي لو حرّم الله ءآلذكرين لسوّى في تحريمهما بين الرّجال والنّساء . وكذلك القول في الأنثيين ، والاستفهام في قوله : { ءآلذكرين حرم } في الموضعين مُستعمل في التّقرير والإنكار بقرينة قوله قبله : { سيجزيهم وصفهم إنَّه حكيم عليم }

[ الأنعام : 139 ] . وقوله : { ولا تتَّبعوا خطوات الشّيطان } [ البقرة : 168 ] . ومعلوم أنّ استعمال الاستفهام في غير معنى طلب الفهم هو إما مجاز أو كناية .

ولذلك تعيَّن أن تكون { أم } منقطعة بمعنى ( بل ) ومعناها الإضراب الانتقالي تعديداً لهم ويُقَدّر بعدها استفهام . فالمفرد بعد { أم } مفعول لفعل محذوف ، والتّقدير : أم أحرّم الأنثيين . وكذلك التّقدير في قوله : { أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين } وكذلك التّقدير في نظيره .

وقوله : { من الضأن اثنين ومن المعز اثنين } مع قوله : { ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين } من مسلك السير والتقسيم المذكور في مسالك العلة من علم أصول الفقه .

وجملة : { نبئوني بعلم إن كنتم صادقين } بدل اشتمال من جملة ؛ { ءآلذكرين حرم أم الأنثيين } لأنّ إنكار أن يكون الله حرّم شيئاً من ذكور وإناث ذينك الصنفين يقتضي تكذيبهم في زعمهم أنّ الله حرّم ما ذكروه فيلزم منه طلبُ الدّليل على دعواهم . فموقع جملة { ءآلذكرين } بمنزلة الاستفسار في علم آداب البحث . وموقع جملة : { نبئوني بعلم إن كنتم صادقين } بمنزلة المنع . وهذا تهكّم لأنَّه لا يَطلب تلقّي علم منهم . وهذا التَّهكّم تابع لصورة الاستفهام وفرعٌ عنها . وهو هنا تجريد للمجاز أو للمعنى الملزوم المنتقل منه في الكناية . وتثنية ءآلذكرين والأنثيين : باعتبار ذكور وإناث النّوعين .

وتعدية فعل : { حَرّم } إلى { الذّكرين } و { الأنثيين } وما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ، على تقدير مضاف معلوم من السّياق ، أي : حرّم أكل ءآلذكرين أم الأنثيين إلى آخره .

والتّعريف في قوله : { ءآلذكرين } وقوله : { أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين } تعريف الجنس كما في « الكشاف » .

والباء في { بعلم } : يحتمل أن تكون لتعدية فعل الإنباء ، فالعلم بمعنى المعلوم . ويحتمل أن تكون للملابسة ، أي نبّئوني إنباء ملابساً للعلم ، فالعلم ما قابل الجهل أي إنباء عالم . ولمَّا كانوا عاجزين عن الإنباء دلّ ذلك على أنَّهم حرّموا ما حرّموه بجهالة وسوء عقل لا بعلم ، وشأن من يتصدّى للتحريم والتّحليل أن يكون ذا علم .

وقوله : { إن كنتم صادقين } أي في قولكم : إنّ الله حرّم ما ذكرتم أنَّه محرّم ، لأنَّهم لو كانوا صادقين في تحريم ذلك لاستطاعوا بيان ما حرّمه الله ، ولأبدوا حكمة تحريم ما حرّموه ونسبوا تحريمه إلى الله تعالى .

وقوله : { ومن الإبل اثنين } إلى قوله { أرحام الأنثيين } عطف على : { ومن المعز اثنين } لأنَّه من تمام تفصيل عدد ثمانية أزواج ، والقول فيه كالقول في سابقه ، والمقصود إبطال تحريم البحيرة والسّائبة والحامي وما في بطون البحائر والسّوائب .

و { أم } في قوله : { أم كنتم شهداء } منقطعة للإضراب الانتقالي . فتؤذن باستفهام مقدّر بعدها حيثما وقعت . وهو إنكاري تقريري أيضاً بقربنة السّياق .

والشّهداء : الحاضرون جمعُ شَهيد وهو الحاضر ، أي شُهداء حين وصّاكم الله ، ف { إذْ } ظرف ل { شهداء } مضاف إلى جملة : { وصاكم } .

والإيصاء : الأمر بشيء يُفعل في غيبة الآمر فيؤكَّد على المأمور بفعله لأنّ شأن الغائب التّأكيد .

وأطلق الإيصاء على ما أمر الله به لأنّ النّاس لم يشاهدوا الله حين فعلهم ما يأمرهم به ، فكانَ أمر الله مؤكَّداً فعبّر عنه بالإيصاء تنبيهاً لهم على الاحتراز من التّفويت في أوامر الله ، ولذلك أطلق على أمر الله الإيصاءُ في مواضع كثيرة من القرآن ، كقوله : { يوصيكم الله في أولادكم } [ النساء : 11 ] .

والإشارة في قوله : { بهذا } إلى التحريم المأخوذ من قوله : { حرم } وذلك لأنّ في إنكار مجموع التّحريم تضمُّنا لإبطال تحريم معيَّن ادّعوه . وهم يعرفونه . فلذلك صحّت الإشارة إلى التّحريم على الإجمال ، وخصّ بالإنكار حالة المشاهدة ، تهكّماً بهم ، لأنَّهم كانوا يكذّبون الرّسول صلى الله عليه وسلم فحالهم حَال من يضع نفسه موضع من يحضر حضرة الله تعالى لسماع أوامره . أو لأنّ ذلك لمّا لم يكن من شرع إبراهيم ولا إسماعيل عليهم السّلام ، ولم يأت به رسول من الله ، ولم يدّعوه ، فلم يبق إلاّ أنّ يدّعوا أنّ الله خاطبهم به مباشرة .

وقوله : { فمن أظلم ممن أفترى على الله كذباً } مترتّب على الإنكار في قوله : { ءآلذكرين حرم أم الأنثيين } إلى قوله { إذ وصاكم الله بهذا } ، أي فيترتّب على ذلك الإبطال والإنكار أن يتوجّه سؤال من المتكلّم مشوبٌ بإنكار . عمّن اتّصف بزيادة ظلم الظّالمين الّذين كذبوا على الله ليضلّوا النّاس ، أي : لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذباً ، فإذا ثبت أنّ هؤلاء المخاطبين قد افتروا على الله كذباً ، ثبت أنَّهم من الفريق الّذي هو أظلم الظالمين .

والمشركون إمّا أن يكونوا ممّن وضع الشّرك وهم كبراء المشركين : مثل عَمرو بن لُحي ، واضععِ عبادة الأصنام ، وأولِ من جعل البحيرة والسّائبة والوصيلة والحامي ، ومن جاء بعده من طواغيت أهل الشّرك الّذين سنّوا لهم جعل شيء من أموالهم لبيوت الأصنام وسدنتها ، فهؤلاء مُفترون ، وإمَّا أن يكونوا ممّن اتَّبع أولئك بعزم وتصلّب وشاركوهم فهم اتَّبعوا أناساً ليسوا بأهل لأنّ يُبلِّغوا عن الله تعالى ، وكان حقّهم أن يتوخَّوا من يتَّبعون ومن يظنّون أنَّه مبلّغ عن الله وهم الرّسل ، فمن ضلالهم أنَّهم لمّا جاءهم الرّسول الحقّ عليه الصلاة والسلام كذّبوه ، وقد صدّقوا الكَذَبَة وأيَّدوهم ونصروهم .

ويستفاد من الآية أنّ من الظلم أن يُقدِم أحد على الإفتاء في الدّين ما لم يكن قد غلب على ظنّه أنَّه يفتي بالصّواب الّذي يُرضي الله ، وذلك إنْ كان مجتهداً فبالاستناد إلى الدّليل الّذي يغلب على ظنّه مصادفته لمراد الله تعالى ، وإن كان مقلّداً فبالاستناد إلى ما يغلب على ظنّه أنَّه مذهب إمامه الّذي قلَّده .

وقوله : { بغير علم } تقدّم القول في نظيره آنفاً .

وقوله : { إن الله لا يهدي القوم الظالمين } يجوز أن يكون تعليلاً لكونهم من أظلم النّاس ، لأنّ معنى الزّيادة في الظلم لا يتحقّق إلاّ إذا كان ظلمهم لا إقلاع عنه ، لأنّ الضّلال يزداد رسوخاً في النّفس بتكررّ أحواله ومظاهره ، لأنَّهم لمّا تعمّدوا الإضلال أو اتَّبعوا متعمّديه عن تصلّب ، فهم بمعزل عن تطلب الهدى وإعادة النّظر في حال أنفسهم ، وذلك يغريهم بالازدياد والتملّي من تلك الأحوال ، حتّى تصير فيهم ملكة وسجيّة ، فيتعذّر إقلاعهم عنها ، فعلى هذا تكون { إنّ } مفيدة معنى التّعليل .

ويجوز أن تكون الجملة تهديداً ووعيداً لهم ، إن لم يقلعوا عمّا هم فيه ، بأنّ الله يحرمهم التّوفيق ويذرهم في غيّهم وعمههم ، فالله هَدى كثيراً من المشركين هم الّذين لم يكونوا بهذه المثابة في الشّرك ، أي لم يكونوا قادة ولا متصلّبين في شركهم ، والّذين كانوا بهذه المثابة هم الّذين حرمهم الله الهدى ، مثل صناديد قريش أصحاب القليب يوم بدر ، فأمّا الّذين اتَّبعوا الإسلام بالقتال مثل معظم أهل مكّة يوم الفتح ، وكذلك هوازن ومَن بعدها ، فهؤلاء أسلموا مذعنين ثمّ علموا أنّ آلهتهم لم تغن عنهم شيئاً فحصل لهم الهدى بعد ذلك ، وكانوا من خيرة المسلمين ونصروا الله حقّ نصره . فالمراد من نفي الهدى عنهم : إمَّا نفيه عن فريق من المشركين ، وهم الّذين ماتُوا على الشّرك ، وإمَّا نفي الهدى المحض الدالّ على صفاء النّفس ونور القلب ، دون الهدى الحاصل بعد الدّخول في الإسلام ، فذلك هدى في الدرجة الثّانية كما قال تعالى : { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتَل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى } [ الحديد : 10 ] .