محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَمِنَ ٱلۡإِبِلِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَيۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۖ أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ وَصَّىٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَٰذَاۚ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗا لِّيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيۡرِ عِلۡمٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (144)

[ 144 ] { ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم من افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ( 144 ) } .

{ ومن الإبل اثنين } عطف على قوله تعالى { من الضأن اثنين } أي : وأنشأ من / الإبل اثنين هما الجمل والناقة . { ومن البقر اثنين } ذكرا وأنثى { قل } أي : إفحاما لهم أيضا في هذين النوعين { آلذكرين } منهما { حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين } أي من ذينك النوعين . والمعنى إنكار أن الله سبحانه وتعالى حرم عليهم شيئا من الأنواع الأربعة ، وإظهار كذبهم في ذلك ، وتفصيل ما ذكر من الذكور والإناث وما في بطونها- للمبالغة في الرد عليهم بإيراد الإنكار على كل مادة من مواد افترائهم . فإنهم كانوا يحرمون ذكور الأنعام تارة وإناثها تارة وأولادها كيفما كانت تارة أخرى . مسندين ذلك كله إلى الله سبحانه . وإنما عقب تفصيل كل واحد من نوعي الصغار ونوعي الكبار بما ذكر من الأمر بالاستفهام والإنكار مع حصول التبكيت بإيراد الأمر عقيب تفصيل الأنواع الأربعة بأن يقال : قل آلذكور حرم أم الإناث أم ما اشتملت عليه أرحام الإناث- لما في التثنية والتكرير من المبالغة في التبكيت والإلزام . أفاده أبو السعود .

ثم كرر الإفحام بقوله تعالى : { أم كنتم شهداء } حاضرين { إذ وصاكم الله بهذا } أي حين وصاكم بتحريم بعض وتحليله . وهذا من باب التهكم { فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا } فنسب إليه تحريم ما لم يحرم { ليضل الناس بغير علم } أي دليل { إن الله لا يهدي القوم الظالمين } قال ابن كثير : أول من دخل في هذه الآية عمرو بن لحي بن قمعة . لأنه أول من غير دين الأنبياء وأول من سيب السوائب ووصل الوصيلة وحمى الحامي . كما ثبت ذلك في ( الصحيح ) {[3730]} .

/ وقال أبو السعود : المراد كبراؤهم المقرون لذلك . أو عمرو بن لحي وهو المؤسس لهذا الشر . أو الكل لاشتراكهم في الافتراء عليه ، سبحانه وتعالى .

لطيفة :

قال الزمخشري : فإن قلت : كيف فصل بين بعض المعدود وبعضه ولم يوال بينه ؟ قلت : قد وقع الفاصل بينهما اعتراضا غير أجنبي من المعدود . وذلك أن الله عز وجل من على عباده بإنشاء الأنعام لمنافعهم وبإباحتها لهم . فاعترض بالاحتجاج على من حرمها . والاحتجاج على من حرمها تأكيد وتسديد للتحليل . والاعتراضات في الكلام لا تساق إلا للتوكيد . انتهى .

تنبيه :

دلت الآية على إباحة لحوم أكل الأنعام . وذلك معلوم من الدين ضرورة . وكذلك الانتفاع بالركوب فيما يركب ، والافتراش للأصواف والأوبار والجلود . وعلى رد ما كانت الجاهلية تحرمه بغير علم .

قال المؤيد بالله : ويدخل الإنسي والوحشي في قوله : { من الضأن اثنين ومن المعز اثنين } . وردّ بأن قوله تعالى : { ثمانية أزواج } بيان للأنعام . والأنعام لا تطلق على الوحشيّ . أفاده بعض مفسري الزيدية .


[3730]:- أخرجه البخاري في: 65- كتاب التفسير، 5- سورة المائدة، 13- باب {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام}، حديث 1657 ونصه: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار. كان أول من سيب السوائب. والوصيلة الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل. ثم تثني بعد بأنثى. وكانوا يسيبونها لطواغيتهم، إن وصلت إحداهما الأخرى، ليست بينهما ذكر. والحام فحل الإبل ويضرب الضراب المعدود فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت، وأعفوه من الحمل، فلم يحمل عليه شيء، وسموه الحامي".