تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَّـٰبِثِينَ فِيهَآ أَحۡقَابٗا} (23)

وجعلها مثوى لهم ومآبا ، وأنهم يلبثون فيها أحقابا كثيرة و { الحقب } على ما قاله كثير من المفسرين : ثمانون سنة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَّـٰبِثِينَ فِيهَآ أَحۡقَابٗا} (23)

ثم يمضي السياق خطوة وراء النفخ والحشر ، فيصور مصير الطغاة ومصير التقاة . بادئا بالأولين المكذبين المتسائلين عن النبأ العظيم :

( إن جهنم كانت مرصادا ، للطاغين مآبا ، لابثين فيها أحقابا . لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا ، إلا حميما وغساقا . جزاء وفاقا . إنهم كانوا لا يرجون حسابا ، وكذبوا بآياتنا كذابا . وكل شيء أحصيناه كتابا . فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ) . .

إن جهنم خلقت ووجدت وكانت مرصادا للطاغين تنتظرهم وتترقبهم وينتهون إليها فإذا هي معدة لهم ، مهيأة لاستقبالهم . وكأنما كانوا في رحلة في الأرض ثم آبوا إلى مأواهم الأصيل !

وهم يردون هذا المآب للإقامة الطويلة المتجددة أحقابا بعد أحقاب :

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَّـٰبِثِينَ فِيهَآ أَحۡقَابٗا} (23)

لبثين وهو أبلغ أحقابا دهورا متتابعة وليس فيها ما يدل على خروجهم منها إذ لو صح أن الحقب ثمانون سنة أو سبعون ألف سنة فليس فيه ما يتقضي تناهي تلك الأحقاب لجواز أن يكون المراد أحقابا مترادفة كلما مضى حقب تبعه آخر وإن كان فمن قبيل المفهوم فلا يعارض المنطق الدال على خلود الكفار .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَّـٰبِثِينَ فِيهَآ أَحۡقَابٗا} (23)

و «الأحقاب » : جمع حقب بفتح القاف ، وحِقب : بكسر الحاء ، وحقُب : بضم القاف ، وهو جمع حقبة ومنه قول متمم : [ الطويل ]

وكنا كندماني جذيمة حقبة . . . من الدهر حتى قيل لن تصدعا{[11573]}

وهي المدة الطويلة من الدهر{[11574]} غير محدودة ، ويقال للسنة أيضاً حقبة ، وقال بشر بن كعب{[11575]} : حدها على ما ورد في الكتب المنزلة ثلاثمائة سنة ، وقال هلال الهجري : ثمانون سنة قالا في كل سنة ثلاثمائة وستون يوماً ، كل يوم من ألف سنة ، وقال ابن عباس وابن عمر : الحقب ستون ألف سنة ، وقال الحسن : ثلاثون ألف سنة وقال أبو أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم : إنه ثلاثون ألف سنة{[11576]} ، وكثر الناس في هذا اللازم أن الله تعالى أخبر عن الكفار أنهم يلبثون { أحقاباً } كلما مر حقب جاء غيره إلى ما لا نهاية ، قال الحسن : ليس لها عدة إلا الخلود في النار ، ومن الناس من ظن لذكر الأحقاب أن مدة العذاب تنحصر وتتم فطلبوا التأويل لذلك ، فقال مقاتل بن حيان{[11577]} : الحقب سبعة عشر ألف سنة ، وهي منسوخة بقوله تعالى :

{ فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً }{[11578]} [ النبأ : 30 ] ، وقد ذكرنا فساد هذا القول{[11579]} ، وقال آخرون الموصوفون باللبث { أحقاباً } عصاة المؤمنين ، وهذا أيضاً ضعيف ما بعده في السورة يدل عليه ، وقال آخرون : إنما المعنى : { لابثين فيها أحقاباً } غير ذائقين برداً ولا شراباً ، فهذه الحال يلبثون أحقاباً ثم يبقى العذاب سرمداً وهم يشربون أشربة جهنم ، وقرأ الجمهور «لابثين » وقرأ حمزة وحده وابن مسعود وعلقمة وابن وثاب وعمرو بن ميمون وعمرو بن شرحبيل{[11580]} وابن جبير «لبثن » جمع لبث ، وهي قراءة معترضة لأن فعلاً إنما يكون فيما صار خلقاً كحذر وفرق ، وقد جاء شاذاً فيما ليس بخلق وأنشد الطبري وغيره في ذلك بيت لبيد : [ الكامل ]

أو مسحل عمل عضادة سمحج . . . بسراته ندب له وكلوم{[11581]}

قال المعترض في القراءة : لا حجة في هذا البيت لأن عملاً قد صار كالخلق الذي واظب على العمل به حتى أنه ليسمى به في وقت لا يعمل فيه كما تقول كاتب لمن كانت له صناعة وإن لم يكتب أكثر أحيانه ، قال المحتج لها : شبه لبث بدوامه بالخلق لما صار اللبث من شأنه .


[11573]:متمم بن نويرة كان له أخ اسمه مالك بن نويرة، وهو الذي قتله خالد بن الوليد في حروب الردة، وتزوج امرأته، وقتل من قومه مقتلة عظيمة، وكان هذا أحد الأسباب التي جعلت عمر بن الخطاب يسخط على خالد، ويوم أن استشهد زيد بن الخطاب في حرب مسيلمة قال عمر رضي الله عنه لمتمم بن نويرة: أنشدني بعض ما قلت في أخيك مالك، فأنشده شعره الذي يقول فيه: فلما تفرقنا كأني ومالكا لطول اجتماع لم نبت ليلة معا وكنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا وأراد بندماني جذيمة "مالكا وعقيلا" ابني فارج بن كعب، فقد نادما جذيمة الأبرش حين ردا عليه ابن أخته "عمرو بن عدي" فحكمهما فاختارا منادمته، فكانا نديميه فترة من الزمن،ثم غدر بهما وقتلهما، ولما أنشد متمم شعره لعمر بن الخطاب رضي الله عنه قال عمر: يا متمم لو كنت أقول الشعر لسرني أن أقول في اخي زيد بن الخطاب مثل ما قلت في أخيك، قال متمم: يا أمير المؤمنين، لو قتل أخي قتلة أخيك ما قلت فيه شعرا أبدا، قال عمر: يا متمم، ما عزاني أحد في أخي بأحسن مما عزيتني به، وذلك أن زيد بن الخطاب قتل شهيدا في يوم اليمامة، أما مالك ابن نويرة فقد قتل مرتدا عن الإسلام.
[11574]:في بعض النسخ: "من السنة".
[11575]:الذي في الدر المنثور "بشير بن كعب".
[11576]:أخرجه ابن عمر العدني في مسنده، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، بسند ضعيف، عن أبي أمامة (الدر المنثور).
[11577]:هو مقاتل بن حيان، النبطي –بفتح النون والباء- أبو بسطام البلخي الخزاز، قال عنه في (تقريب التهذيب): "صدوق فاضل، أخطأ الأزدي في زعمه أن وكيعا كذبه، وإنما كذب الذي بعده ، مات قبل الخمسين بأرض الهند".
[11578]:هي الآية 3 من هذه السورة النبأ.
[11579]:عندما قال في بداية تفسير هذه السورة: "لأن الأخبار لا تنسخ".
[11580]:أما ابن ميمون فهو عمرو بن ميمون بن مهران الجزري، أبو عبد الله، سبط سعيد بن جبير، ثقة فاضل، مات سنة سبع وأربعين، وأما ابن شرحبيل فهو عمرو بن شرحبيل ابن سعيد، بن سعد بن عبادة الأنصاري. (تقريب التهذيب).
[11581]:البيت في وصف حمار الوحش، وهو في الديوان، واللسان، والطبري، ومعاني القرآن، والمسحل: الحمار الوحشي، وهي صفة غالبة، وسمى بذلك لأن نهيقة يسمى السحيل، وعمل – بوزن فرح- : وصف له: وهي بمعنى عامل، ويروى: (سنح) –بمعنى بشم- ويروى أيضا (شنج) –بمعنى ملازم للأتان-، أما العضادة فهي ما يكون بجانب الشيء ويكون عونا له، فهي هنا بمعنى لأنه بجانب أنثاه وهو عون لها ومرافق، والسمحج: الأتان الطويلة الظهر، وسراتها وسط ظهرها، وندب: جمع ندبة، وهي أثر الجرح، والكلوم: الجروح ومفردها كلم. يريد أن هذا الحمار يرافق أنثاه دائما وهو كثير العض لها حتى امتلأ ظرها بالجروح وآثارها.والشاهد كما قال الفراء أن الشاعر أوقع (عمل) على (عضادة)، قال: ولو كان (عاملا) لكان أفضل.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَّـٰبِثِينَ فِيهَآ أَحۡقَابٗا} (23)

واللابث : المقيم بالمكان . وانتصب { لابثين } على الحال من الطاغين .

وقرأه الجمهور { لابثين } على صيغة جمع لابث . وقرأه حمزة ورَوح عن يعقوب { لَبثين على صيغة جَمْع ( لَبثٍ ) من أمثلة المبالغة مثل حَذِر على خلاف فيه ، أو من الصفة المشبهة فتقتضي أن اللّبث شأنه كالذي يجثم في مكان لا ينفك عنه .

وأحقاب : جمع حُقُب بضمتين ، وهو زمن طويل نحو الثمانين سنة ، وتقدم في قوله : { أو أمضي حقباً } في سورة الكهف ( 60 ) .

وجمعه هنا مراد به الطول العظيم لأن أكثر استعمال الحُقُب والأحقاب أن يكون في حيث يراد توالي الأزمان ويبين هذا الآيات الأخرى الدالة على خلود المشركين ، فجاءت هذه الآية على المعروف الشائع في الكلام كناية به عن الدوام دون انتهاء .

وليس فيه دلالة على أن لهذا اللبث نهاية حتى يُحتاج إلى دعوى نسخ ذلك بآيات الخلود وهو وهم لأن الأخبار لا تنسخ ، أو يحتاج إلى جعل الآية لعصاة المؤمنين ، فإن ذلك ليس من شأن القرآن المكي الأول إذ قد كان المؤمنون أيامئذ صالحين مخلصين مجدِّين في أعمالهم .