قوله : { لاَّبِثِينَ } . منصوب على الحال من الضمير المستتر في«للطاغين » ، وفي حال مقدرة .
وقرأ حمزة{[59137]} : «لبثين » دون ألف .
وضعف مكي قراءة حمزة ، قال : ومن قرأ : «لبثين » شبهه بما هو خلقة في الإنسان نحو حِذْر وفِرْق ، وهو بعيد ؛ لأن اللبث ليس مما يكون خلقة في الإنسان وباب فعل إنما يكون لما هو خلقة في الإنسان . وليس اللبس بخلقة .
ورجَّح الزمخشري قراءة حمزة ، فقال : «قرأ : لابثين «ولبثين » واللبث أقوى ؛ لأن اللاَّبث يقال لمن وجد منه اللبث ، ولا يقال : لبث إلا لمن شأنه اللبث ، كالذي يجثم بالمكان لا يكاد ينفكّ منه » .
وأمَّا قولُ مكيٍّ : اللبث ليس بخلقة ، فمسلم لكنه بولغ في ذلك ، فجعلَ بمنزلة الأشياء المختلفة .
و«لابثين » اسم فاعل من «لبث » ، ويقويه أنَّ المصدر منه «اللّبث » - بالإسكان - ك «الشرب » . قوله : «أحْقَاباً » منصوب على الظرف ، وناصبه «لاَبِثيْنَ » ، هذا هو المشهور ، وقيل : منصوب بقوله : «لا يذوقون » ، وهذا عند من يرى تقدم معمول ما بعد «لا » عليها وهو أحد الأوجه ، وقد مر هذا مستوفًى في أواخر الفاتحة وجوَّز الزمخشري أن ينتصب على الحال . قال : «وفيه وجه آخر : وهو أن يكون من : حَقِبَ عامنا إذا قلَّ مطرهُ وخيرهُ ، وحقب فلان إذا أخطأه الرزق ، فهو حقبٌ وجمعه : «أحْقَاب » ، فينتصب حالاً عنهم ، بمعنى : لابثين فيها حقبين جحدين » . وتقدم الكلام على الحقب في سورة «الكهف »{[59138]} .
قال القرطبي{[59139]} : و«الحِقْبَةُ » - بالكسر- : السَّنة ، والجمع حِقَب ؛ قال متممُ بنُ نويرةَ : [ الطويل ]
5075- وكُنَّا كَنَدْمَانَي جَذيمَةَ حِقْبَةً *** مِنَ الدَّهْرِ حتَّى قيلَ : لَنْ يتصدَّعا{[59140]}
والحُقْبُ - بالضم والسكون - : ثمانون سنة .
وقيل : أكثر من ذلك وأقل ، والجمع : «أحْقَاب » .
قال الفراءُ : أصل الحقبة من الترادُف والتتابُع ، يقال : «أحْقَبَ » : إذا أردف ، ومنه الحقبة ، ومنه كل من حمل وزراً فقد احتقب ، فعلى هذا معناه : لابثين فيها أحقاباً ، أي : دُهوْراً مُترادِفَةً يتبع بعضهم بعضاً .
المعنى : ماكثين في النَّار ما دامت الأحقاب ، وهي لا تنقطع ، فكُلَّما مضى حُقبٌ جاء حُقبٌ ، و«الحُقُبُ » -بضمتين- : الدَّهْرُ ، والأحقابُ : الدهور ، والمعنى : لابثين فيها أحقاب الآخرة التي لا نهاية لها ، فحذف الآخرة لدلالة الكلام عليها ، إذ في الكلام ذكر الآخرة ، كما يقال : أيَّامُ الآخرة ، أي : أيام بعد أيام إلى غير نهاية ، أي : لابثين فيها أزماناً ودهوراً ، كُلَّما مضى زمنٌ يعقبهُ زمنٌ ، ودهر يعقبه دهر ، هكذا أبداً من غير انقطاع ، فكأنه قال : أبداً ، وإنَّما كان يدل على التوقيت لو قال : خمسة أحقاب ، أو عشرة ونحوه ، وذكر الأحقاب ؛ لأن الحقب كان أبعد شيء عندهم ، فذكر ما يفهمونه ، وهو كناية عن التأبيد ، أي : يمكثون فيها أبداً .
وقيل : ذكر الأحقاب دون الأيام ؛ لأن الأحقاب أهول في القلوب ، وأدل على الخلود ، وهذا الخلود في حق المشركين ، ويمكن حمله على العصاة الذين يخرجونَ من النار بعد العذاب .
وقيل : الأحقاب وقت شربهم الحميم والغسَّاق ، فإذا انقضت فيكون لهم نوع آخر من العذاب ، ولهذا قال تعالى : { لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً } أي : في الأرض لتقدم ذكرها ويكون
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.