{ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ْ } حسَّنها في قلوبهم وخدعهم . { وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ ْ } فإنكم في عَدَدٍ وعُدَدٍ وهيئة لا يقاومكم فيها محمد ومن معه .
{ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ ْ } من أن يأتيكم أحد ممن تخشون غائلته ، لأن إبليس قد تبدَّى لقريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي ، وكانوا يخافون من بني مدلج لعداوة كانت بينهم .
فقال لهم الشيطان : أنا جار لكم ، فاطمأنت نفوسهم وأتوا على حرد قادرين .
{ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ ْ } المسلمون والكافرون ، فرأى الشيطان جبريل عليه السلام يزع الملائكة خاف خوفا شديدا و { نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ ْ } أي : ولى مدبرا . { وَقَالَ ْ } لمن خدعهم وغرهم : { إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ ْ } أي : أرى الملائكة الذين لا يدان لأحد بقتالهم .
{ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ْ } أي : أخاف أن يعاجلني بالعقوبة في الدنيا { وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ْ }
ومن المحتمل أن يكون الشيطان ، قد سول لهم ، ووسوس في صدورهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس ، وأنه جار لهم ، فلما أوردهم مواردهم ، نكص عنهم ، وتبرأ منهم ، كما قال تعالى : { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ْ }
ويمضي السياق يصور وسوسة الشيطان للمشركين وإغراءهم بهذا الخروج الذي نالهم منه ما نالهم من الذل والخيبة والخسار والانكسار :
( وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم ، وقال : لا غالب لكم اليوم من الناس ، وإني جار لكم . فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه ، وقال : إني بريء منكم ، إني أرى ما لا ترون ، إني أخاف الله ، والله شديد العقاب ) . .
ولقد وردت في هذه الآية والحادث الذي تشير إليه عدة آثار ؛ ليس من بينها حديث عن رسول الله [ ص ] إلا ما رواه مالك في الموطأ : حدثنا أحمد بن الفرج ، قال : حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون ، قال : حدثنا مالك ، عن إبراهيم بن أبي عبلة ، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز : أن رسول الله [ ص ] قال : " ما رئي إبليس يوما هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ من يوم عرفة ، وذلك مما يرى من تنزيل الرحمة والعفو عن الذنوب ، إلا ما رأى يوم بدر " ! قالوا : يا رسول الله وما رأى يوم بدر ? قال : " أما إنه رأى جبريل يزع الملائكة " . .
وفي هذا الأثر عبد الملك بن عبدالعزيز بن الماجشون ، وهو ضعيف الحديث ، والخبر مرسل . فأما سائر الآثار فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - من طريق علي بن أبي طلحة وطريق ابن جريج . وعن عروة بن الزبير من طريق ابن إسحاق . وعن قتادة من طريق سعيد بن جبير . وعن الحسن وعن محمد بن كعب . وهذه أمثلة منها من رواية ابن جرير الطبري :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين معه راية ، في صورة رجل من بني مدلج ، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم . فقال الشيطان للمشركين : " لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم " . . فلما اصطف الناس أخذ رسول الله [ ص ] قبضة من التراب فرمى بها في وجوه المشركين ، فولوا مدبرين . وأقبل جبير إلى إبليس ، فلما رآه ، وكانت يده في يد رجل من المشركين ، انتزع إبليس يده فولى مدبراً هو وشيعته ، فقال الرجل : يا سراقة ، تزعم أنك لنا جار ? قال : ( إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب )وذلك حين رأى الملائكة .
حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : قال ابن إسحاق : حدثني يزيد بن رومان . عن عروة بن الزبير قال : لما أجمعت قريش المسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر - يعني من الحرب - فكاد ذلك أن يثنيهم . فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي ، وكان من أشراف كنانة ، فقال :
أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه . فخرجوا سراعاً .
حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم )إلى قوله : ( شديد العقاب ) قال : ذكر لنا أنه رأى جبريل تنزل معه الملائكة فزعم عدو الله أنه لا يد له بالملائكة ، وقال : ( إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله ) . . وكذب والله عدو الله ، ما به مخافة الله ، ولكن علم أن لا قوة له ولا منعة له ، وتلك عادة عدو الله لمن أطاعه واستقاد له ، حتى إذا التقى الحق والباطل أسلمهم شر مسلم ، وتبرأ منهم عند ذلك .
ونحن - على منهجنا في هذه الظلال - لا نتعرض لهذه الأمور الغيبية بتفصيل لم يرد به نص قرآني أو حديث نبوي صحيح متواتر . فهي من أمور لاعتقاد التي لا يلتزم فيها إلا بنص هذه درجته . ولكننا في الوقت ذاته لا نقف موقف الإنكار والرفض . .
وفي هذا الحديث نص قرآني يثبت منه أن الشيطان زين للمشركين أعمالهم ، وشجعهم على الخروج بإعلان إجارته لهم ونصرته إياهم ؛ وأنه بعد ذلك - لما تراءى الجمعان أي بريء منكم إني رأى أحدهما الآخر - ( نكص على عقبيه وقال : إني أرى ما لا ترون ، إني أخاف الله ، والله شديد العقاب ) . . فخذلهم وتركهم يلاقون مصيرهم وحدهم ، ولم يوف بعهده معهم . .
ولكننا لا نعلم الكيفية التي زين لهم بها أعمالهم ، والتي قال لهم بها : لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم . والتي نكص بها كذلك وقال ما قاله بعد ذلك . .
الكيفية فقط هي التي لا نجزم بها . ذلك أن أمر الشيطان كله غيب ؛ ولا سبيل لنا إلى الجزم بشيء في أمره إلا في حدود النص المسلم . والنص هنا لا يذكر الكيفية إنما يثبت الحادث . .
فإلى هنا ينتهي اجتهادنا . ولا نميل إلى المنهج الذي تتخذه مدرسة الشيخ محمد عبده في التفسير من محاولة تأويل كل أمر غيبي من هذا القبيل تأويلا معينا ينفي الحركة الحسية عن هذه العوالم . وذلك كقول الشيخ رشيد رضا في تفسير الآية :
( وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم ، وقال : لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ) . . أي واذكر أيها الرسول للمؤمنين ، إذ زين الشيطان لهؤلاء المشركين أعمالهم بوسوسته ، وقال لهم بما ألقاه في هواجسهم : لا غالب لكم اليوم من الناس ، لا أتباع محمد الضعفاء ولا غيرهم من قبائل العرب ، فأنتم أعز نفرا وأكثر نفيرا وأعظم بأسا ، وإني مع هذا - أو والحال أني - جار لكم . قال البيضاوي في تفسيره : وأوهمهم أن اتباعهم إياه ، فيما يظنون أنها قربات ، مجير لهم ، حتى قالوا : اللهم انصر أهدى الفئتين وأفضل الدينين " .
( فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه ) . . أي فلما قرب كل من الفريقين المتقاتلين من الآخر ، وصار بحيث يراه ويعرف حاله ، وقبل أن يلقاه في المعركة ويصطلي نار القتال معه ، نكص : أي رجع القهقرى ، وتولى إلى الوراء وهو جهة العقبين [ أي مؤخري الرجلين ] وأخطأ من قال من المفسرين : إن المراد بالترائي التلاقي - والمراد : أنه كف عن تزيينه لهم وتغريره إياهم ، فخرج الكلام مخرج التمثيل بتشبيه وسوسته بما ذكر بحال المقبل على الشيء ؛ وتركها بحال من ينكص عنه ويوليه دبره . ثم زاد على هذا ما يدل على براءته منهم ، وتركه إياهم وشأنهم وهو [ وقال : إني بريء منكم ، إني أرى ما لا ترون ، إني أخاف الله ] أي تبرأ منهم وخاف عليهم ، وأيس من حالهم لما رأى إمداد الله المسلمين بالملائكة [ والله شديد العقاب ] يجوزأن يكون هذا من كلامه ويجوز أن يكون مستأنفاً " .
. . . " أقول : معنى هذا أن جند الشيطان الخبيث كانوا منبثين في المشركين يوسوسون لهم بملابستهم لأرواحهم الخبيثة ما يغريهم ويغرهم ؛ كما كان الملائكة منبثين في المؤمنين يلهمونهم بملابستهم لأرواحهم الطيبة ما يثبتون به قلوبهم ويزيدهم ثقة بوعد الله بنصرهم . . . " .
وهذا الميل الظاهر إلى تفسير أفعال الملائكة بأنها مجرد ملابسة لأرواح المؤمنين ؛ وقد جزم في موضع آخر بأن الملائكة لم تقاتل يوم بدر على الرغم من قول الله تعالى : ( فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان )- وتفسير فعل الشيطان بأنه مجرد ملابسة لأرواح المشركين . . هو منهج تلك المدرسة بجملتها . . ومثله تفسير " الطير الأبابيل " بأنها ميكروبات الجدري ! في تفسير الشيخ محمد عبده لجزء عم . . هذا كله مبالغة في تأويل هذه النصوص المتعلقة بأمور غيبية ؛ حيث لا ضرورة لهذا التأويل ، لأنه ليس هناك ما يمنع من الدلالة الصريحة للألفاظ فيها . . وكل ما ينبغي هو الوقوف وراء النصوص بلا تفصيلات لا تدل عليها دلالة صريحة . . وهو المنهج الذي اتخذناه فعلاً . .
{ وإذ زيّن لهم الشيطان } مقدر باذكر . { أعمالهم } في معاداة الرسول صلى الله عليه وسلم وغيرها بأن وسوس إليهم . { وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم } مقالة نفسانية والمعنى : أنه ألقى في روعهم وخيل إليهم أنهم لا يغلبون ولا يطاقون لكثرة عددهم وعددهم ، وأوهمهم أن اتباعهم إياه فيما يظنون أنها قربات مجير لهم حتى قالوا : اللهم انصر أهدى الفئتين وأفضل الدينين ، ولكم خبر لا غالب أو صفته وليس صلته وإلا لانتصب كقولك : لا ضاربا زيدا عندنا . { فلما تراءت الفئتان } أي تلاقى الفريقان . { نكص على عقبيه } رجع القهقرى أي بطل كيده وعاد ما خيل إليهم أنه مجيرهم سبب هلاكهم . { وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله } أي تبرأ منهم وخاف عليهم وأيس من حالهم لما رأى إمداد الله المسلمين بالملائكة ، وقيل : لما اجتمعت قريش على المسير ذكرت ما بينهم وبين كنانة من الإحنة وكاد ذلك يثنيهم ، فتمثل لهم إبليس بصورة سراقة بن مالك الكناني وقال لا غالب لكم اليوم وإني مجيركم من بني كنانة ، فلما رأى الملائكة تنزل نكص وكان يده في يد الحارث بن هشام فقال له : إلى أين أتخذلنا في هذه الحالة فقال إني أرى ما لا ترون ، ودفع في صدر الحارث وانطلق وانهزموا ، فلما بلغوا مكة قالوا هزم الناس سراقة فبلغه ذلك فقال : والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم فلما أسلموا علموا أنه الشيطان . وعلى هذا يحتمل أن يكون معنى قوله : { إني أخاف الله } إني أخافه أن يصيبني مكروها من الملائكة أو يهلكني ويكون الوقت هو الوقت الموعود إذ رأى فيه ما لم ير قبله ، والأول ما قاله الحسن واختاره ابن بحر . { والله شديد العقاب } يجوز أن يكون من كلامه وان يكون مستأنفا .
التقدير واذكروا إذ ، والضمير في { لهم } عائد على الكفار ، و { الشيطان } إبليس نفسه ، وحكى المهدوي وغيره أن التزيين في هذه الآية وما بعده من الأقوال هو بالوسوسة والمحادثة في النفوس .
قال القاضي أبو محمد : ويضعف هذا القول أن قوله { وإني جار لكم } ليس مما يلقى بالوسوسة ، وقال الجمهور في ذلك بما روي وتظاهر أن إبليس جاء كفار قريش ففي السير لابن هشام أنه جاءهم بمكة ، وفي غيرها أنه جاءهم وهم في طريقهم إلى بدر ، وقد لحقهم خوف من بني بكر وكنانة لحروب كانت بينهم ، فجاءهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم وهو سيد من ساداتهم ، فقال لهم : «إني جار لكم » ولن تخافوا من قومي وهم لكم أعوان على مقصدكم ولن يغلبكم أحد ، فسروا عند ذلك ومضوا لطيتهم{[5399]} ، وقال لهم أنتم تقاتلون عن دين الآباء ولن تعدموا نصراً .
فروي أنه لما التقى الجمعان كانت يده في يد الحارث بن هشام ، فلما رأى الملائكة نكص فقال له الحارث :أتفر يا سراقة فلم يلو عليه{[5400]} ، ويروى أنه قال له ما تضمنت الآية .
وروي أن عمرو بن وهب أو الحارث بن هشام قال له : أين يا سراق ؟ فلم يلو ودفع في صدر الحارث وذهب فوقعت الهزيمة{[5401]} ، فتحدث أن سراقة فر بالناس ، فبلغ ذلك سراقة بن مالك ، فأتى مكة فقال لهم : والله ما علمت بشيء من أمركم حتى بلغتني هزيمتكم ولا رأيتكم ولا كنت معكم ، وحكى الطبري عن ابن عباس أنه قال : جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين معه رأيته في صورة رجل من بني مدلج ، فقال { لا غالب لكم اليوم } الآية ، و { اليوم } ظرف ، والعمل فيه معنى نفي الغلبة ، ويحتمل أن يكون العامل متعلق { لكم } وممتنع أن يعمل { غالب } لأنه كان يلزم أن يكون لا غالباً{[5402]} ، وقوله { إني جار لكم } معناه فأنتم في ذمتي وحماي ، و { وتراءت } تفاعلت من الرؤية أي رأى هؤلاء هؤلاء ، وقرأ الأعمش وعيسى بن عمر «ترأت » مقصورة ، وحكى أبو حاتم عن الأعمش أنه أمال والراء مرققة ثم رجع عن ذلك . وقوله { نكص على عقيبه } معناه رجع من حيث جاء ، وأصل النكوص في اللغة الرجوع القهقرى ، وقال زهير :
هم يضربون حبيك البيض إذ لحقوا*** لا ينكصون إذا ما استلحموا وحموا{[5403]}
كذا أنشد الطبري ، وفي رواية الأصمعي إذا ما استلأموا وبذلك فسر الطبري هذه الآية ، وفي ذلك بعد ، وإنما رجوعه في هذه الآية مشبه بالنكوص الحقيقي ، وقال اللغويون : النكوص ، الإحجام عن الشيء ، يقال أراد أمراً ثم نكص عنه ، وقال تأبَّطَ شرّاً : [ البسيط ]
ليس النكوصُ على الأدبار مكرمةً*** إن المكارم إقدامٌ على الأسَل{[5404]}
قال القاضي أبو محمد : فليس هنا قهقرى بل هو فرار ، وقال مؤرج{[5405]} : نكص هي رجع بلغة سليم .
قال القاضي أبو محمد : وقوله { على عقبيه } يبين أنه إنما أراد الانهزام والرجوع في ضد إقباله ، وقوله { إني بريء منكم } هو خذلانه لهم وانفصاله عنهم ، وقوله { إني أرى ما لا ترون } يريد الملائكة وهو الخبيث إنما شرط أن لا غالب من الناس فلما رأى الملائكة وخرق العادة خاف وفرَّ ، وفي الموطأ وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ما رئي الشيطان في يوم أقل ولا أحقر ولا أصغر منه في يوم عرفة ، لما يرى من نزول الرحمة إلا ما رأى يوم بدر ، قيل وما رأى يا رسول الله ؟ قال : رأى الملائكة يزعها جبريل »{[5406]} .
وقال الحسن : رأى إبليس جبريل يقود فرسه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو معتجر ببردة وفي يده اللجام ، وقوله { إني أخاف الله } قيل إن هذه معذرة منه كاذبة ولم تلحقه قط مخافة ، قاله قتادة وابن الكلبي ، وقال الزجّاج وغيره : بل خاف مما رأى من الأمر وهوله وأنه يومه الذي أنظر إليه{[5407]} ، ويقوي هذا أنه رأى خرق العادة ونزول الملائكة للحرب .
وحكى الطبري بسنده أنه لما انهزم المشركون يوم بدر حين رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبضة من التراب وجوه الكفار أقبل جبريل صلى الله عليه وسلم إلى إبليس ، فلما رآه إبليس وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع يده ثم ولى مدبراً ، فقال له الرجل أي سراقة تزعم أنك لنا جار ؟ فقال { إني أرى ما لا ترون } الآية ، ثم ذهب .