تفسير ابن أبي زمنين - ابن أبي زمنين  
{وَإِذۡ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ ٱلۡيَوۡمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٞ لَّكُمۡۖ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلۡفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكُمۡ إِنِّيٓ أَرَىٰ مَا لَا تَرَوۡنَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَۚ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (48)

{ ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس . . . } إلى قوله : { والله شديد العقاب } قال الكلبي : إن المشركين لما خرجوا من " مكة " إلى بدر أتاهم الخبر وهم بالجحفة قبل أن يصلوا إلى بدر أن عيرهم قد نجت ، فأراد القوم الرجوع ، فأتاهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال : يا قوم ، لا ترجعوا حتى تستأصلوهم ؛ فإنكم كثير ، وعدوكم قليل فتأمن عيركم ، وأنا جار لكم على بني كنانة ، ألا تمروا بحي من بني كنانة إلا أمدكم بالخيل والرجال والسلاح . فمضوا كما أمرهم للذي أراد الله من هلاكهم ، فالتقوا هم والمسلمون ببدر ، فنزلت الملائكة مع المسلمين في صف ، وإبليس في صف المشركين في صورة سراقة بن مالك فلما نظر إبليس إلى الملائكة نكص على عقبيه ، وأخذ الحارث بن هشام المخزومي بيده ، فقال : يا سراقة ، على هذه الحال تخذلنا ؟ قال : إني أرى ما لا ترون ؛ إني أخاف الله والله شديد العقاب . فقال له الحارث : ألا كان هذا القول أمس ؟ فلما رأى إبليس أن القوم قد أقبلوا إليهم دفع في صدر الحارث فخر ، وانطلق إبليس وانهزم المشركون ، فلما قدموا مكة قالوا : إنما انهزم بالناس سراقة ونقض الصف ، فبلغ ذلك سراقة ، فقدم عليهم مكة ، فقال : بلغني أنكم تزعمون أني انهزمت بالناس فوالذي يحلف به سراقة ، ما شعرت بمسيركم حتى بلغني هزيمتكم . فجعلوا يذكرونه ؛ أما أتيتنا يوم كذا ، وقلت لنا كذا فجعل يحلف ، فلما أسلموا علموا أنه الشيطان .

قال الكلبي : وكان صادقا في قوله : { إني أرى ما لا ترون } وأما قوله : { إني أخاف الله } فكذب .