الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِذۡ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ ٱلۡيَوۡمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٞ لَّكُمۡۖ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلۡفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكُمۡ إِنِّيٓ أَرَىٰ مَا لَا تَرَوۡنَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَۚ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (48)

قوله : { وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم }[ 48 ] ، الآية .

المعنى : اذكر إذ زين لهؤلاء الكفار الشيطان أعمالهم{[27547]} .

قال الضحاك : جاءهم إبليس يوم بدر بجنوده فزين لهم أنهم لن ينهزموا وهم يقاتلون على دين آبائهم ، وأنه جار لهم ، فلما التقوا ، ونظر الشيطان إلى إمداد الملائكة { نكص على عقبيه } ، أي : رجع مدبرا ، وقال لهم : { إني أرى ما لا ترون }{[27548]} .

قال السدي : أتى المشركين{[27549]} إبليس في صورة سراقة{[27550]} بن مالك الكناني الشاعر / على فرس فقال : { لا غالب لكم اليوم من الناس }[ 48 ] ، فقالوا : من أنت ؟ قال : أنا جاركم سراقة بن مالك ، وهؤلاء{[27551]} كنانة قد أتوكم{[27552]} .

وقال قتادة : لما رأى الملعون جبريل عليه السلام تنزل معه الملائكة ، علم أنه لا يدين{[27553]} له بالملائكة ، فقال : { إني أرى ما لا ترون } ، وقال : { إني أخاف الله } ، وكذب الملعون ، ما به مخافة الله عز وجل ، ولكن لما رأى ما لا منعة له منه ، فرق{[27554]} وقال ذلك ، وهو كاذب على نفسه{[27555]} .

وقيل : إنه ظن أن الوقت الذي أُنظر{[27556]} إليه قد حضر ، فخاف{[27557]} .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما رُئي إبليس يوما هو فيه أصغر ، [ ولا أدحر ]{[27558]} ، ولا أحقر ، ولا أغيظ من يوم عرفة ، وذلك مما يرى من تنزيل الرحمة والعفو عن الذنوب ، إلا ما رأى يوم بدر " ، قالوا : يا رسول الله ، وما رأى يوم بدر ؟ قال : " أما إنه رأى جبريل عليه السلام{[27559]} ، يزع{[27560]} الملائكة{[27561]} " .

قال الحسن : رأى جبريل عليه السلام ، معتجرا{[27562]} ببرد ، يمشي بين يدي النبي عليه السلام ، وفي يده اللجام{[27563]} .

ومعنى : { نكص على عقبيه }[ 48 ] ، رجع القهقرى{[27564]} .

وقيل معناه : رجع من حيث جاء{[27565]} .

وكانت وقعة بدر لسبع عشرة{[27566]} خلت من رمضان{[27567]} على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم النبي عليه السلام ، من مكة .

قال مالك : على رأس سنة ونصف{[27568]} .

وكانت وقعة بدر بسنة{[27569]} .


[27547]:معاني القرآن للزجاج 2/420، بلفظ: "موضع {إذ}: نصب، المعنى.." قدر تعلق الظرف بمحذوف، أي: "واذكر، يا محمد، وقت تزيين الشيطان لهم أعمالهم"، كما في فتح القدير 2/360، ونفس التقدير في المحرر الوجيز 2/537، وحاشية الصاوي على الجلالين 2/111، وينظر: البحر المحيط 4/501.
[27548]:تفسير ابن أبي حاتم 5/1715، بزيادة في لفظه.
[27549]:في الأصل: المشركون، وهو خطأ ناسخ.
[27550]:هو: سراقة بن مالك جهشم، الكناني المدلجي، أبو سفيان: صحابي مشهور، توفي في خلافة عثمان رضي الله عنه سنة24هـ وقيل: بعدها. تقريب التهذيب 169، وينظر: أسد الغابة 2/395.
[27551]:في الأصل: فهؤلاء، وأثبت ما في "ر" وجامع البيان الذي نقل عنه مكي.
[27552]:جامع البيان 14/8. وبشأن قبيلة كنانة انظر: معجم قبائل العرب 3/996. قال الشوكاني في فتح القدير 2/360: "ومعنى الجار هنا: الدافع عن صاحبه أنواع الضرر كما يدفع الجار عن الجار.
[27553]:في الأصل: لا يرين، براء مهملة، وهو تحريف لا معنى له. وفي جامع البيان: لا يَدَيْ، كذا ضبطه الشيخ محمود شاكر بالحركات. وفي بقية مصادر التوثيق أسفله هامش 5: لا يدان. وأثبت ما في "ر". وما لي بفلان "يدان" أي طاقة. المختار /يدي، والعرب تقول: ما لي به يد، أي: ما لي قوة وما لي به يدان، وما لهم بذلك أيد، أي: قوة اللسان/يدي.
[27554]:الفَرَق: الخوف، وقد فرق من باب طرب، المختار /فرق. وفي "ر": فر.
[27555]:جامع البيان 14/9، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1716، وتفسير البغوي 3/366، وتفسير ابن كثير 2/318، بتصرف. وأورده السيوطي في الدر 4/79، مختصرا، وينظر: تفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/260.
[27556]:النظرة، بكسر الظاء: التأخير. وأنظره: أخر. المختار/نظر.
[27557]:وهو قول الزجاج في معاني القرآن 2/421 وهو تفسير الماوردي 2/325 من غير عزو، وعزاه ابن الجوزي في زاد المسير 3/367، إلى ابن الأنباري، وهو في المحرر الوجيز 2/539، للزجاج وغيره.
[27558]:زيادة من "ر". وأدحر، أي: أبعد عن الخير. تنويرا الحوالك. شرح الموطأ 1/292.
[27559]:ما بين الهلالين ساقط من "ر".
[27560]:قال ابن عبد البر في التمهيد 1/116: وأما قوله: "يزع الملائكة"، فقال أهل اللغة: معنى يزع: يكف ويمنع، إلا أنها هاهنا بمعنى: يُعبئهم ويرتبهم للقتال ويصفُّهم [من باب رد، المختار / صف]، وفيه: معنى الكف، لأنه يمنعهم عن الكلام من أن يشف بعضهم على بعض [شف يشف من باب ضرب. المصباح/شفف]، ويخرج بعضهم عن بعض في الترتيب،...".
[27561]:أخرجه مالك في الموطأ 1/291، مرسلا في كتاب الحج، باب جامع الحج، انظر: مرويات مالك في التفسير 187، وجامع البيان 14/9، 10، وعنه نقل مكي، وفيه تعلق الشيخ محمود شاكر على رجال سند الحديث، والتمهيد 1/114، وأورده ابن كثير في التفسير 2/318، وقال عقبه: "هذا مرسل من هذا الوجه".
[27562]:في الأصل: متعجرا، وهو سبق قلم ناسخ. والاعتجار: لف العمامة على الرأس من غير إدارة تحت الحنك،...، وإنما سمي اعتجارا لما فيه من لي ونتو. المقاييس/عجر.
[27563]:التفسير 1/404، وجامع البيان 14/10، وعنه نقل مكي، وتمام نصه: "..ما ركب"، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1716، والدر المنثور 4/79.
[27564]:غريب ابن قتيبة 179، وزاد الطبري في جامع البيان 14/11، "على قفاه هاربا، يقال منه: نكص ينكص [بالضم] ويُنكص [ بالكسر] نكوصا..."، انظر: المحرر الوجيز 2/538، وتفسير القرطبي 8/19، وفتح القدير 2/360. والقهقرى: الرجوع إلى الخلف. ورجع القهقرى أي: رجع الرجوع المعروف بهذا الاسم، لآن القهقرى ضرب من الرجوع، المختار /قهر.
[27565]:وهو قول أبي عبيدة في مجاز القرآن 1/247، وأورده المؤلف في العمدة 144، من غير عزو أيضا. وقال في تفسير المشكل: 182:....أي: رجع وهو في المحرر الوجيز 5/538، بدون نسبة.
[27566]:في الأصل: لسبع عشر، وهو خطأ ناسخ.
[27567]:سيرة ابن هشام 1/626، قال ابن كثير في التفسير 2/313: "وهو الصحيح عند أهل المغازي والسير".
[27568]:الإمام مالك مفسرا 139، وهو ما ذهب إليه موسى بن عقبة في مغازيه 127.
[27569]:مغازي موسى بن عقبة 183، بلفظ: "....وذلك في شوال من العام المقبل من وقعة بدر". وفي الأصل: سنة.