غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِذۡ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ ٱلۡيَوۡمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٞ لَّكُمۡۖ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلۡفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكُمۡ إِنِّيٓ أَرَىٰ مَا لَا تَرَوۡنَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَۚ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (48)

41

{ وإذ زين } معناه واذكر إذ زين أو هو معطوف على ما قبله من النعم وأقربها قوله { وإذ يريكموهم } وفي هذا التزيين وجهان : أحدهما . أن الشيطان زين بوسوسته من غير أن يتمثل بصورة إنسان وهو قول الحسن والأصم . وفي الكشاف : زين لهم الشيطان أعمالهم التي عملوها في معاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووسوس إليهم أنهم لا يغلبون ولا يطاقون ، وأوهمهم أن اتباع خطوات الشيطان وطاعته مما يجرئهم . فلما تلاقى الفريقان نكص الشيطان وتبرأ منهم أي بطل كيده حين نزلت جنود الله . وثانيهما : أنه ظهر في صورة إنسان وذلك أن المشركين حين أرادوا المسير إلى بدر ذكروا الذي بينهم وبين بني كنانة من الحرب فلم يأمنوا أن يأتوهم من ورائهم ، فتمثل لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الشاعر الكناني وكان من أشرافهم في جند من الشياطين معه راية { وقال لا غالب لكم اليوم من الناس } أي لا غالب كائن لكم ولو كان لكم مفعولاً بمعنى لا غالب إلا إياكم لانتصب كما يقال لا ضارباً زيداً . { وإني جار لكم } أي مجيركم من بني كنانة أو من كل عدوّ يعرض من البشر . ومعنى الجار هاهنا الدافع عن صاحبه أنواع الضرر كما يدفع الجار عن الجار . { فلما تراءت الفئتان } أي التقى الجمعان بحيث رأت كل واحدة الأخرى { نكص على عقبيه } والنكوص الإحجام عن الشيء أي رجع . { وقال إني بريء منكم } قيل : كانت يده في يد الحرث بن هشام فلما نكص قال له الحرث إلى أين ؟ أتخذلنا في هذه الحالة فقال { إني أرى ما لا ترون } أي من نزول الملائكة ودفع في صدر الحرث وانطلق وانهزموا ، فلما بلغوا مكة قالوا : هزم الناس سراقة فبلغ ذلك سراقة فقال : والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم ، فلما أسلموا علموا أنه الشيطان . وفي الحديث : «ما رئي إبليس يوماً أصغر ولا أدحر ولا أغيظ من يوم عرفة لما يرى من نزول الرحمة إلا ما رأى يوم بدر » . وأما قوله { إني أخاف الله } فقد قيل : إنه لما رأى جبريل خافه ، وقيل : لما رأى الملائكة ينزلون من السماء خافهم لأنه ظن أن الوقت الذي أنظر إليه قد حضر . قال قتادة : صدق في قوله { إني أرى ما لا ترون } وكذب في قوله : { إني أخاف الله } وقوله { والله شديد العقاب } يجوز أن يكون من بقية حكاية كلام إبليس ، ويجوز أن يكون اعتراضاً وظرفه { إذ يقول } أو لا ظرف له .

/خ49