المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيۡنَ مَا ثُقِفُوٓاْ إِلَّا بِحَبۡلٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٖ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ} (112)

112- وأخبر - سبحانه - بأنه ألزمهم المهانة في أي مكان وجدوا فيه ، إلا بعقد الذمة الذي هو عهد الله وعهد المسلمين ، وأنهم استوجبوا غضب الله وألزمهم الاستكانة والخضوع لغيرهم ، وذلك بسبب كفرهم بآيات الله الدالة على نبوة محمد ، وقتلهم الأنبياء الذي لا يمكن أن يكون بحق ، بل هو عصيان منهم واعتداء .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيۡنَ مَا ثُقِفُوٓاْ إِلَّا بِحَبۡلٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٖ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ} (112)

ولهذا أخبر تعالى أنه عاقبهم بالذلة في بواطنهم والمسكنة على ظواهرهم ، فلا يستقرون ولا يطمئنون { إلا بحبل } أي : عهد { من الله وحبل من الناس } فلا يكون اليهود إلا تحت أحكام المسلمين وعهدهم ، تؤخذ منهم الجزية ويستذلون ، أو تحت أحكام النصارى وقد { باءوا } مع ذلك { بغضب من الله } وهذا أعظم العقوبات ، والسبب الذي أوصلهم إلى هذه الحال ذكره الله بقوله : { ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله } التي أنزلها الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الموجبة لليقين والإيمان ، فكفروا بها بغيا وعنادا { ويقتلون الأنبياء بغير حق } أي : يقابلون أنبياء الله الذين يحسنون إليهم أعظم إحسان بأشر مقابلة ، وهو القتل ، فهل بعد هذه الجراءة والجناية شيء أعظم منها ، وذلك كله بسبب عصيانهم واعتدائهم ، فهو الذي جرأهم على الكفر بالله وقتل أنبياء الله .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيۡنَ مَا ثُقِفُوٓاْ إِلَّا بِحَبۡلٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٖ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ} (112)

ذلك أنه قد ( ضربت عليهم الذلة ) وكتبت لهم مصيرا . فهم في كل أرض يذلون ، لا تعصمهم إلا ذمة الله وذمة المسلمين - حين يدخلون في ذمتهم فتعصم دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وتنيلهم الأمن والطمأنينة - ولم تعرف يهود منذ ذلك الحين الأمن إلا في ذمة المسلمين . ولكن يهود لم تعاد أحدا في الأرض عداءها للمسلمين ! . . ( وباءوا بغضب من الله ) كأنما رجعوا من رحلتهم يحملون هذا الغضب . ( وضربت عليهم المسكنة ) تعيش في ضمائرهم وتكمن في مشاعرهم . .

ولقد وقع ذلك كله بعد نزول هذه الآية . فما كانت معركة بين المسلمين وأهل الكتاب إلا كتب الله فيها للمسلمين النصر - ما حافظوا على دينهم واستمسكوا بعقيدتهم ، وأقاموا منهج الله في حياتهم - وكتب لأعدائهم المذلة والهوان إلا أن يعتصموا بذمة المسلمين أو أن يتخلى المسلمون عن دينهم .

ويكشف القرآن عن سبب هذا القدر المكتوب على يهود . فإذا هو سبب عام يمكن أن تنطبق آثاره على كل قوم ، مهما تكن دعواهم في الدين : إنه المعصية والاعتداء :

( ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ، ويقتلون الأنبياء بغير حق . ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) .

فالكفر بآيات الله - سواء بإنكارها أصلا ، أو عدم الاحتكام إليها وتنفيذها في واقع الحياة - وقتل الأنبياء بغير حق . وقتل الذين يأمرون بالقسط من الناس كما جاء في آية أخرى في السورة - والعصيان والاعتداء . . هذه هي المؤهلات لغضب الله ، وللهزيمة والذلة والمسكنة . . وهذه هي المؤهلات التي تتوافر اليوم في البقايا الشاردة في الأرض من ذراري المسلمين . الذين يسمون أنفسهم - بغير حق - مسلمين ! هذه هي المؤهلات التي يتقدمون بها إلى ربهم اليوم ، فينالون عليها كل ما كتبه الله على اليهود من الهزيمة والذلة والمسكنة . فإذا قال أحد منهم : لماذا نغلب في الأرض ونحن مسلمون ؟ فلينظر قبل أن يقولها : ما هو الإسلام ، ومن هم المسلمون ؟ !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيۡنَ مَا ثُقِفُوٓاْ إِلَّا بِحَبۡلٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٖ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ} (112)

ثم قال تعالى : { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ } أي : ألزمهم الله الذلة{[5569]} والصَّغَار أينما كانوا فلا يأمنون { إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ } أي : بذمة من الله ، وهو عَقْد الذمة لهم وضَرْب الجزية عليهم ، وإلزامهم أحكام الملة { وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ } أي : أمان منهم ولهم ، كما في المُهَادَن والمعاهَد والأسير إذا أمَّنَه واحد{[5570]} من المسلمين ولو امرأة ، وكذَا عَبْد ، على أحد قولي العلماء .

قال ابن عباس : { إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ } أي : بعهد من الله وعهد من الناس ، [ و ]{[5571]} هكذا قال مُجاهد ، وعِكْرِمة ، وعَطَاء ، والضَّحَّاك ، والحسن ، وقتادة ، والسُّدِّي ، والرَّبِيع بن أنس .

وقوله : { وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ } أي : أُلزموا فالتزَمُوا بغضب من الله ، وهم يستحقونه { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ } أي : أُلزِموها{[5572]} قَدرًا وشَرْعًا . ولهذا قال : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأنْبِيَاءَ بِغَيْرِ{[5573]} حَقٍّ } أي : وإنما حملهم على ذلك الكبْر والبَغْي وَالْحسَد ، فأعْقَبَهم ذلك الذِّلة والصَّغَار والمسكنة أبدا ، متصلا بذلة الآخرة ، ثم قال تعالى : { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } أي : إنما حَمَلهم على الكفر بآيات الله وقَتْل رُسُل الله وقُيِّضوا لذلك أنّهم كانوا يكثرون العصيان لأوامر الله ، عز وجل ، والغشيان لمعاصي الله ، والاعتداء في شرع الله ، فَعِياذًا بالله من ذلك ، والله المستعان .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن حَبِيب حدثنا أبو داود الطيالسي ، حدثنا شعبة ، عن سليمان الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي مَعْمَر الأزدي ، عن عبد الل وهكذا قال هاهنا : { إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } ه بن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : كانت بنو إسرائيل تقتل في اليوم ثلاثمائة نبيّ ، ثم يقوم سُوق بَقْلهم في آخر النهار .


[5569]:في و: "المذلة".
[5570]:في جـ، ر، أ، و: "أحد".
[5571]:زيادة من و.
[5572]:في و: "ألزموا بها".
[5573]:في و: "بذل".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيۡنَ مَا ثُقِفُوٓاْ إِلَّا بِحَبۡلٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٖ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ} (112)

وقوله تعالى : { ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا } كأنه بالمعنى هلكوا واستؤصلوا ، فلذلك حسن أن يجيء بعده { إلا بحبل } ، وقرب فهم ذلك للسامع ، قال الزجّاج : المعنى ضربت عليهم الذلة إلا أنهم يعتصمون بالعهد إذا أعطوه ، و «الحبل » العهد ، شبه به لأنه يصل قوماً بقوم كما يفعل الحبل في الأجرام ، و { باؤوا } معناه مضوا متحملين لهذا الحكم ، و «غضب الله عليهم » ، بما دلت عليه هذه الأمور التي أوقع بهم ، وأفعال بني إسرائيل على وجه الدهر من التعنت والعصيان توجب الغضب ، فلذلك خصوا به ، والنصارى إنما ضلوا فقط ، و { المسكنة } التذلل والضعة ، وهي حالة الطواف الملتمس للقمة واللقمتين المضارع المفارق لحالة التعفف والتعزز به ، فليس أحد من اليهود وإن كان غنياً إلا وهو بهذه الحال ، وقوله تعالى : { ذلك } إشارة إلى الغضب وضرب الذلة والمسكنة ، فعاقبهم الله على كفرهم وقتلهم الأنبياء بذلك ، و { آيات الله } : يحتمل أن يراد بها المتلوة ، ويحتمل أن يريد العبر التي عرضت عليهم ، وقوله : { بغير حق } تأكيد ومبالغة وقطع لما عسى أن يكون في وهم إنسان ممكناً بوجه ما ، وقوله تعالى : { ذلك بما عصوا } حمله المفسرون على أن الإشارة بذلك إلى الشيء الذي أشير إليه بذلك الأول ، قاله الطبري والزجّاج وغيرهما . والذي أقول : إن الإشارة ب { ذلك } الأخير إنما هي إلى كفرهم وقتلهم ، وذلك أن الله تعالى ، استدرجهم فعاقبهم على العصيان والاعتداء بالمصير إلى الكفر وقتل الأنبياء ، وهو الذي يقول أهل العلم : إن الله تعالى يعاقب على المعصية بالإيقاع في معصية ، ويجازي على الطاعة بالتوفيق إلى الطاعة ، وذلك موجود في الناس إذا تأمل{[3433]} ، وعصيان بني إسرائيل واعتداؤهم في السبت وغيره متقرر في غير ما موضع من كتاب الله ، وقال قتادة رحمه الله عندما فسر هذه الآية : اجتنبوا المعصية والعدوان فإن بها أهلك من كان قبلكم من الناس .


[3433]:- يريد: تأمل المتأمل؛ وقد تكون بصيغة المجهول "تؤمل". كما جاء في بعض النسخ