المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أُحِلَّ لَكُمۡ صَيۡدُ ٱلۡبَحۡرِ وَطَعَامُهُۥ مَتَٰعٗا لَّكُمۡ وَلِلسَّيَّارَةِۖ وَحُرِّمَ عَلَيۡكُمۡ صَيۡدُ ٱلۡبَرِّ مَا دُمۡتُمۡ حُرُمٗاۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (96)

96- أحل الله لكم أن تصيدوا حيوان البحار ، وأن تأكلوا منه ، وينتفع به المقيمون منكم والمسافرون ، وحرَّم عليكم أن تصيدوا حيوان البر غير المستأنس ، مما جرت العادة بعدم تربيته في المنازل والبيوت ، مدة قيامكم بأعمال الحج أو العمرة بالحرم ، وراقبوا الله وخافوا عقابه ، فلا تخالفوه ، فإنكم إليه ترجعون يوم القيامة ، فيجازيكم على ما تعملون .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أُحِلَّ لَكُمۡ صَيۡدُ ٱلۡبَحۡرِ وَطَعَامُهُۥ مَتَٰعٗا لَّكُمۡ وَلِلسَّيَّارَةِۖ وَحُرِّمَ عَلَيۡكُمۡ صَيۡدُ ٱلۡبَرِّ مَا دُمۡتُمۡ حُرُمٗاۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (96)

ولما كان الصيد يشمل الصيد البري والبحري ، استثنى تعالى الصيد البحري فقال : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ } أي : أحل لكم -في حال إحرامكم- صيد البحر ، وهو الحي من حيواناته ، وطعامه ، وهو الميت منها ، فدل ذلك على حل ميتة البحر . { مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } أي : الفائدة في إباحته لكم أنه لأجل انتفاعكم وانتفاع رفقتكم الذين يسيرون معكم . { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } ويؤخذ من لفظ " الصيد " أنه لا بد أن يكون وحشيا ، لأن الإنسي ليس بصيد . ومأكولا ، فإن غير المأكول لا يصاد ولا يطلق عليه اسم الصيد . { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } أي : اتقوه بفعل ما أمر به ، وترك ما نهى عنه ، واستعينوا على تقواه بعلمكم أنكم إليه تحشرون . فيجازيكم ، هل قمتم بتقواه فيثيبكم الثواب الجزيل ، أم لم تقوموا بها فيعاقبكم ؟ .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أُحِلَّ لَكُمۡ صَيۡدُ ٱلۡبَحۡرِ وَطَعَامُهُۥ مَتَٰعٗا لَّكُمۡ وَلِلسَّيَّارَةِۖ وَحُرِّمَ عَلَيۡكُمۡ صَيۡدُ ٱلۡبَرِّ مَا دُمۡتُمۡ حُرُمٗاۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (96)

ذلك شأن صيد البر . فأما صيد البحر فهو حلال في الحل والإحرام :

( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة ) . .

فحيوان البحر حلال صيده وحلال أكله للمحرم ولغير المحرم سواء . . ولما ذكر حل صيد البحر وطعامة ، عاد فذكر حرمة صيد البر للمحرم :

( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا ) . .

والذي عليه الإجماع هو حرمة صيد البر للمحرم . ولكن هناك خلاف حول تناول المحرم له إذا صاده غير المحرم . كما أن هناك خلافا حول المعنى بالصيد . وهل هو خاص بالحيوان الذي يصاد عادة . أم النهي شامل لكل حيوان ، ولو لم يكن مما يصاد ومما لا يطلق عليه لفظ الصيد .

ويختم هذا التحليل وهذا التحريم باستجاشة مشاعر التقوى في الضمير ؛ والتذكير بالحشر إلى الله والحساب : ( واتقوا الله الذي إليه تحشرون ) . . وبعد . ففيم هذه الحرمات ؟

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أُحِلَّ لَكُمۡ صَيۡدُ ٱلۡبَحۡرِ وَطَعَامُهُۥ مَتَٰعٗا لَّكُمۡ وَلِلسَّيَّارَةِۖ وَحُرِّمَ عَلَيۡكُمۡ صَيۡدُ ٱلۡبَرِّ مَا دُمۡتُمۡ حُرُمٗاۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (96)

قال ابن أبي طلحة ، عن{[10402]} ابن عباس - في رواية عنه - وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، وغيرهم في قوله : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ } يعني : ما يصطاد منه طريًا { وَطَعَامُهُ } ما يتزود منه مليحًا يابسًا .

وقال ابن عباس في الرواية المشهورة عنه : صيده ما أخذ منه حيًا { وَطَعَامُهُ } ما لفظه ميتًا .

وهكذا روي عن أبي بكر الصديق وزيد بن ثابت ، وعبد الله بن عمرو ، وأبي أيوب الأنصاري ، رضي الله عنهم . وعكرمة ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، وإبراهيم النخَعي ، والحسن البصري .

قال سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن أبي بكر الصديق أنه قال : { وَطَعَامُهُ } كل ما فيه . رواه ابن جرير وابن أبي حاتم .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن سِمَاك قال : حُدِّثتُ عن ابن عباس قال : خطب أبو بكر الناس فقال : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ } وطعامه ما قذف .

قال : وحدثنا يعقوب ، حدثنا ابن عُلَيَّة ، عن سليمان التيمي ، عن أبي مِجْلَز ، عن ابن عباس في قوله : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ } قال { وَطَعَامُهُ } ما قذف .

وقال عكرمة ، عن ابن عباس قال : { وَطَعَامُهُ } ما لفظ من ميتة . ورواه ابن جرير أيضًا .

وقال سعيد بن المسيب : طعامه ما لفظه حيًا ، أو حسر عنه فمات . رواه ابن أبي حاتم .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن بَشَّار ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا أيوب ، عن نافع ؛ أن عبد الرحمن بن أبي هريرة سأل ابن عمر فقال : إن البحر قد قذف حيتانًا كثيرًا مَيْتًا أفنأكله ؟ فقال : لا تأكلوه . فلما رجع عبد الله إلى أهله أخذ المصحف فقرأ سورة المائدة ، فأتى هذه الآية { وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } فقال : اذهب فقل له فليأكله ، فإنه طعامه .

وهكذا اختار ابن جرير أن المراد بطعامه ما مات فيه ، قال : وقد روي في ذلك خبر ، وإن بعضهم يرويه موقوفًا . {[10403]}

حدثنا هَنَّاد بن السُّرِّي قال : حدثنا عبدة بن سليمان ، عن محمد بن عمرو ، حدثنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ } قال : طعامه ما لفظه ميتا " .

ثم قال : وقد وقف بعضهم هذا الحديث على أبي هريرة :{[10404]}

حدثنا هناد ، حدثنا ابن أبي زائدة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة في قوله : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ } قال : طعامه : ما لفظه ميتًا .

وقوله : { مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } أي : منفعة وقُوتًا لكم أيها المخاطبون { وَلِلسَّيَّارَةِ } وهو جمع سيَّار . قال عكرمة : لمن كان بحضرة البحر وللسيارة : السَفْر . {[10405]}

وقال غيره : الطريّ منه لمن يصطاده من حاضرة البحر ، و { طَعَامُهُ } ما مات فيه أو اصطيد منه ومُلِّح وَقُدِّدَ زادًا للمسافرين والنائين عن البحر .

وقد روي نحوه عن ابن عباس ، ومجاهد ، والسُّدِّي وغيرهم . وقد استدل جمهور العلماء على حل ميتة البحر بهذه الآية الكريمة ، وبما رواه الإمام مالك بن أنس ، عن وَهْبِ بن كَيْسَان ، عن جابر بن عبد الله قال : بعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعثًا قِبَل الساحل ، فأمَّر عليهم أبا عبيدة بن الجراح ، وهم ثلاثمائة ، قال : وأنا فيهم . قال : فخرجنا ، حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد ، فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش ، فجُمع ذلك كله ، فكان مَزْوَدَيْ تمر ، قال : فكان يُقَوِّتُنَا كل يوم قليلا قليلا حتى فني ، فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة . فقلت : وما تغني تمرة ؟ فقال : فقد وجدنا فقدها حين فنيت ، قال : ثم انتهينا إلى البحر ، فإذا حوت مثل الظَّرِب ، فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة . ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا ، ثم أمر براحلة فرحلت ، ومرت تحتهما فلم تصبهما . {[10406]}

وهذا الحديث مخرج في الصحيحين{[10407]} وله طرق عن جابر .

وفي صحيح مسلم من رواية أبي الزبير ، عن جابر : فإذا على ساحل البحر مثل الكثيب الضخم ، فأتيناه فإذا بدابة يقال لها : العنبر قال : قال أبو عبيدة : مَيْتة ، ثم قال : لا نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله ، وقد اضطررتم فكلوا قال : فأقمنا عليه شهرًا ونحن ثلاثمائة حتى سمنا . ولقد رأيتُنا نغترف من وَقْب عينه بالقلال الدهن ، ونقتطع منه الفِدْر كالثور ، أو : كقَدْر الثور ، قال : ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وَقْب عينه ، وأخذ ضِلْعًا من أضلاعه فأقامها ، ثم رحل أعظم بعير معنا فمر من تحتها ، وتزودنا من لحمه وشائق . فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذكرنا ذلك له ، فقال : " هو رزق أخرجه الله لكم ، هل معكم من لحمه شيء فتطعمونا ؟ " قال : فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله . وفي بعض روايات مسلم : أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم حين وجدوا هذه السمكة . فقال بعضهم : هي واقعة أخرى ، وقال بعضهم : بل هي قضية واحدة ، ولكن كانوا أولا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم بعثهم سرية مع أبي عبيدة ، فوجدوا هذه في سريتهم تلك مع أبي عبيدة ، والله أعلم . {[10408]}

وقال مالك ، عن صفوان بن سُلَيم ، عن سعيد بن سَلَمة - من آل ابن الأزرق : أن المغيرة بن أبي بردة - وهو من بني عبد الدار - أخبره ، أنه سمع أبا هريرة يقول : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إنا نركب البحر ، ونحمل معنا القليل من الماء ، فإن توضأنا به عطشنا ، أفنتوضأ بماء البحر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو الطَّهُور ماؤه الحِلّ ميتته " .

وقد روى هذا الحديث الإمامان الشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وأهل السنن الأربعة ، وصححه البخاري ، والترمذي ، وابن خزيمة ، وابن حِبَّان ، وغيرهم . وقد روي عن جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم{[10409]} بنحوه .

وقد روى الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، من طرق ، عن حماد بن سلمة : حدثنا أبو المُهَزّم - هو يزيد بن سفيان - سمعت أبا هريرة يقول : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حج - أو عمرة - فاستقبلنا رِجْل جَراد ، فجعلنا نضربهن بعصينا وسياطنا فنقتلهن ، فأسقط في أيدينا ، فقلنا : ما نصنع ونحن محرمون ؟ فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " لا بأس بصيد البحر " {[10410]}

أبو المُهَزّم ضعيف ، والله أعلم .

وقال ابن ماجه : حدثنا هارون بن عبد الله الحَمَّال ، حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا زياد بن عبد الله عن عُلاثة ، عن موسى بن محمد بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن جابر وأنس بن مالك ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا على الجراد قال : " اللهم أهْلك كباره ، واقتل صغاره ، وأفسدْ بيضه ، واقطع دابره ، وخذ بأفواهه عن معايشنا وأرزاقنا ، إنك سميع الدعاء " . فقال خالد : يا رسول الله ، كيف تدعو على جند من أجناد الله بقطع دابره ؟ فقال : " إن الجراد نَثْرَة الحوت في البحر " . قال هاشم : قال زياد : فحدثني من رأى الحوت ينثره . تفرد به ابن ماجه . {[10411]}

وقد روى الشافعي ، عن سعيد ، عن ابن جُرَيْج ، عن عطاء ، عن ابن عباس : أنه أنكر على من يصيد الجراد في الحرم .

وقد احتج بهذه الآية الكريمة من ذهب من الفقهاء إلى أنه تؤكل دواب البحر ، ولم يستثن من ذلك شيئًا . وقد تقدم عن الصديق أنه قال : { طَعَامُهُ } كل ما فيه .

وقد استثنى بعضهم الضفادع وأباح ما سواها ؛ لما رواه الإمام أحمد ، وأبو داود والنسائي من رواية ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن خالد ، عن سعيد بن المسيب ، عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى عن قتل الضفدع " . {[10412]}

وللنسائي عن عبد الله بن عمرو قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع ، وقال : نَقِيقُها تسبيح . {[10413]}

وقال آخرون : يؤكل من صيد البحر السمك ، ولا يؤكل الضفدع . واختلفوا فيما سواهما ، فقيل : يؤكل سائر ذلك ، وقيل : لا يؤكل . وقيل : ما أكل شبهه من البر أكل مثله في البحر ، وما لا يؤكل شبهه لا يؤكل . وهذه كلها وجوه في مذهب الشافعي ، رحمه الله .

قال أبو حنيفة ، رحمه الله : لا يؤكل ما مات في البحر ، كما لا يؤكل ما مات في البر ؛ لعموم قوله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ } [ المائدة : 3 ] .

وقد ورد حديث بنحو ذلك ، فقال ابن مردويه :

حدثنا عبد الباقي - هو ابن قانع - حدثنا الحسين بن إسحاق التُّسْتَرِيّ وعبد الله بن موسى بن أبي عثمان قالا حدثنا الحسين بن زيد الطحان ، حدثنا حفص بن غِياث ، عن ابن أبي ذئب ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما صِدْتُموه وهو حي فمات فكلوه ، وما ألقى البحر ميتًا طافيًا فلا تأكلوه " .

ثم رواه من طريق إسماعيل بن أمية ، ويحيى بن أبي أُنَيْسَة ، عن أبي الزبير عن جابر به . وهو منكر . {[10414]}

وقد احتج الجمهور من أصحاب مالك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، بحديث " العَنْبَر " المتقدم ذكره ، وبحديث : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ، وقد تقدم أيضًا .

وروى الإمام أبو عبد الله الشافعي ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحِلَّت لنا ميتتان ودَمَان ، فأما الميتتان فالحوت والجراد ، وأما الدمان فالكبد والطحال " .

ورواه أحمد وابن ماجه ، والدارقطني والبيهقي . وله شواهد ، وروي{[10415]} موقوفًا ، والله أعلم .

وقوله : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } أي : في حال إحرامكم يحرم{[10416]} عليكم الاصطياد . ففيه دلالة على تحريم ذلك{[10417]} فإذا اصطاد المحرم الصيد متعمدًا أثمَ وغَرم ، أو مخطئًا غرم وحرم عليه أكله ؛ لأنه في حقه كالميتة ، وكذا في حق غيره من المحرمين والمحلين عند مالك والشافعي - في أحد قوليه - وبه يقول عطاء ، والقاسم ، وسالم ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، وغيرهم . فإن أكله أو شيئًا منه ، فهل يلزمه جزاء ؟ فيه قولان للعلماء :

أحدهما : نعم ، قال عبد الرزاق ، عن ابن جُرَيْج ، عن عطاء ، قال : إن ذبحه ثم أكله فكفارتان ، وإليه ذهب طائفة .

والثاني : لا جزاء عليه بأكله . نص عليه مالك بن أنس .

قال أبو عمر بن عبد البر : وعلى هذا مذاهب فقهاء الأمصار ، وجمهور العلماء . ثم وجهه أبو عمر بما لو وطئ ثم وطئ ثم وطئ قبل أن يحد ، فإنما عليه حد واحد . {[10418]}

وقال أبو حنيفة : عليه قيمة ما أكل .

وقال أبو ثور : إذا قتل المحرم الصيد فعليه جزاؤه ، وحلال أكل ذلك الصيد ، إلا أنني أكرهه للذي قتله ، للخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صَيْد البَرِّ لكم حلال ، ما لم تُصِيدوه

أو يُصَدْ لكم " .

وهذا الحديث سيأتي بيانه . وقوله بإباحته للقاتل غريب ، وأما لغيره ففيه خلاف . قد ذكرنا المنع عمن تقدم . وقال آخرون . بإباحته لغير القاتل ، سواء المحرمون والمحلون ؛ لهذا الحديث . والله أعلم .

وأما إذا صاد{[10419]} حَلال صيدًا فأهداه إلى محرم ، فقد ذهب{[10420]} ذاهبون إلى إباحته مطلقًا ، ولم يستفصلوا بين أن يكون قد صاده لأجله أم لا . حكى هذا القول أبو عمر بن عبد البر ، عن عمر بن الخطاب ، وأبي هريرة ، والزبير بن العوام ، وكعب الأحبار ، ومجاهد وعطاء - في رواية - وسعيد بن جبير . قال : وبه قال الكوفيون .

قال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الله بن بَزِيع ، حدثنا بِشْر بن المفضل ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، أن سعيد بن المسيب حدثه ، عن أبى هريرة ؛ أنه سئل عن لحم صيد صاده حَلال ، أيأكله المحرم ؟ قال : فأفتاهم بأكله . ثم لقي عمر بن الخطاب فأخبره بما كان من أمره ، فقال : لو أفتيتهم بغير هذا لأوجعتُ لك رأسك .

وقال آخرون : لا يجوز أكل الصيد للمحرم بالكلية ، ومنعوا من ذلك مطلقًا ؛ لعموم هذه الآية الكريمة .

وقال عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن ابن طاوس وعبد الكريم بن أبي أميَّة ، عن طاوس ، عن ابن عباس ؛ أنه كره أكل لحم الصيد للمحرم . وقال : هي مبهمة . يعني قوله : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } .

قال : وأخبرني معمر ، عن الزهري ، عن ابن عمر ؛ أنه كان يكره للمحرم أن يأكل من لحم الصيد على كل حال .

قال معمر : وأخبرني أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، مثله .

قال ابن عبد البر : وبه قال طاوس ، وجابر بن زيد ، وإليه ذهب الثوري ، وإسحاق بن راهويه - في رواية - وقد روي نحوه عن علي بن أبي طالب ، رواه ابن جرير من طريق سعيد بن أبي عَرُوبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب : أن عليًا كره لحم الصيد للمحرم على كل حال .

وقال مالك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه - في رواية - والجمهور : إن كان الحلال قد قصد المحرم بذلك الصيد ، لم يجز للمحرم أكله ؛ لحديث الصعب بن جثامة : أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حمارًا وحشيًا ، وهو بالأبواء - أو : بوَدّان - فرده عليه ، فلما رأى ما في وجهه قال : " إنا لم نرُدَّه عليك إلا أنّا حُرُم " .

وهذا الحديث مخرج في الصحيحين ، وله ألفاظ كثيرة{[10421]} قالوا : فوجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم ظن أن هذا إنما صاده من أجله ، فرده لذلك . فأما إذا لم يقصده بالاصطياد فإنه يجوز له الأكل منه ؛ لحديث أبي قتادة حين صاد حمار وَحْش ، كان حلالا لم يحرم ، وكان أصحابه محرمين ، فتوقفوا في أكله . ثم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " هل كان منكم أحد أشار إليها ، أو أعان في قتلها ؟ " قالوا : لا . قال : " فكلوا " . وأكل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وهذه القصة ثابتة أيضًا في الصحيحين بألفاظ كثيرة . {[10422]}

وقال الإمام أحمد : حدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد قالا حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن المطلب بن عبد الله بن حَنْطَب ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وقال قتيبة في حديثه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقول : " صيد البر لكم حلال - قال سعيد : وأنتم حرم - ما لم تُصِيدوه أو يُصَدْ لكم " .

وكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي جميعًا ، عن قتيبة . وقال الترمذي : لا نعرف للمطلب سماعًا من جابر . {[10423]}

ورواه الإمام محمد بن إدريس الشافعي ، من طريق عمرو بن أبي عمرو ، عن مولاه المطلب ، عن جابر ثم قال : وهذا أحسن حديث روي في هذا الباب وأقيس .

وقال مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال : رأيت عثمان بن عفان بالعَرْج ، وهو محرم في يوم صائف ، قد غطى وجهه بقطيفة أرجوان ، ثم أتي بلحم صيد فقال لأصحابه : كلوا ، فقالوا : أوَلا تأكل أنت ؟ فقال : إني لست كهيئتكم ، إنما صيد من أجلي . {[10424]} {[10425]}


[10402]:في د: "قال".
[10403]:تفسير الطبري (11/69).
[10404]:تفسير الطبري (11/70).
[10405]:في د: "للسفر".
[10406]:الموطأ (2/930).
[10407]:صحيح البخاري برقم (2483) وصحيح مسلم برقم (1935).
[10408]:صحيح مسلم برقم (1935).
[10409]:مسند الشافعي برقم (25) "بدائع المنن" والمسند للإمام أحمد (2/237) وسنن أبي داود برقم (83) وسنن الترمذي برقم (69) وسنن النسائي (1/50) وسنن ابن ماجة برقم (386) وصحيح ابن خزيمة برقم (111) وصحيح ابن حبان برقم (119).
[10410]:المسند (2/306) وسنن أبي داود برقم (1854) وسنن الترمذي برقم (850) وسنن ابن ماجة برقم (3222).
[10411]:سنن ابن ماجة برقم (3221) وقال البوصيري في الزوائد (3/ 64، 65): "هذا إسناد ضعيف لضعف موسى بن محمد بن إبراهيم، أورده ابن الجوزي في الموضوعات من طريق هارون بن عبد الله، وقال: لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعفه موسى بن محمد".
[10412]:المسند (3/453) وسنن أبي داود برقم (5269) وسنن النسائي (7/210).
[10413]:لم أجده عند البحث في سنن النسائي ولعلى أتداركه فيما بعد. ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (1852) من طريق الحجاج بن محمد عن شعبة عن قتادة عن زرارة بن أوفي عن عبد الله بن عمرو به.
[10414]:ونكارته؛ لمخالفته الآية والأحاديث الصحيحة مثل حديث: "هو الطهور ماؤه"، وحديث العنبر.
[10415]:مسند الشافعي برقم (1734) ومسند أحمد (2/97) ومضى تخريجه عند الآية: 3 من هذه السورة.
[10416]:في د: "فحرام".
[10417]:في د: "التحريم".
[10418]:الاستذكار لابن عبد البر (11/312).
[10419]:في د: "صاده".
[10420]:في د: "فذهبا".
[10421]:صحيح البخاري برقم (1825، 2573) وصحيح مسلم برقم (1193).
[10422]:صحيح البخاري برقم (2914، 5490) وصحيح مسلم برقم (1196).
[10423]:سنن أبي داود برقم (1851) وسنن الترمذي برقم (846) وسنن النسائي (5/187).
[10424]:الموطأ (1/354)
[10425]:لم يتعرض الحافظ ابن كثير - رحمه الله - لتفسير بقية الآيات، كما في جميع النسخ المخطوطة، ولعل ذلك - والله أعلم - لأنه قد تطرق إلى تفسير معانيها في متشابهتها في سورة البقرة.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أُحِلَّ لَكُمۡ صَيۡدُ ٱلۡبَحۡرِ وَطَعَامُهُۥ مَتَٰعٗا لَّكُمۡ وَلِلسَّيَّارَةِۖ وَحُرِّمَ عَلَيۡكُمۡ صَيۡدُ ٱلۡبَرِّ مَا دُمۡتُمۡ حُرُمٗاۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (96)

{ أحل لكم صيد البحر } ما صيد منه مما لا يعيش إلا في الماء وهو حلال كله لقوله عليه الصلاة والسلام في البحر " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " . وقال أبو حنيفة لا يحل منه إلا السمك . وقيل يحل السمك وما يؤكل نظيره في البر . { وطعامه } ما قذفه أو نضب عنه . وقيل الضمير للصيد وطعامه أكله . { متاعا لكم } تمتيعا لكم نصب على الغرض . { وللسيارة } أي ولسيارتكم يتزودونه قديدا . { وحرم عليكم صيد البر } أي ما صيد فيه ، أو الصيد فيه فعلى الأول يحرم على المحرم أيضا ما صاده الحلال وإن لم يكن له فيه مدخل ، والجمهور على حله لقوله عليه الصلاة والسلام " لحم الصيد حلال لكم ، ما لم تصطادوه أو يصد لكم " { ما دمتم حرما } أي محرمين وقرئ بكسر الدال من دام يدام . { واتقوا الله الذي إليه تحشرون } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أُحِلَّ لَكُمۡ صَيۡدُ ٱلۡبَحۡرِ وَطَعَامُهُۥ مَتَٰعٗا لَّكُمۡ وَلِلسَّيَّارَةِۖ وَحُرِّمَ عَلَيۡكُمۡ صَيۡدُ ٱلۡبَرِّ مَا دُمۡتُمۡ حُرُمٗاۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (96)

استئناف بياني نشأ عن قوله : { يأيّها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } [ المائدة : 95 ] فإنّه اقتضى تحريم قتل الصيد على المحرم وجعل جزاء فعله هدي مثل ما قتَل من النعم ، فكان السامع بحيث يسأل عن صيد البحر لأنّ أخذه لا يسمّى في العرف قتلاً ، وليس لما يصاد منه مثل من النعم ولكنّه قد يشكّ لعلّ الله أراد القتل بمعنى التسبّب في الموت ، وأراد بالمثل من النعم المقاربَ في الحجم والمقدار ، فبيّن الله للناس حكم صيد البحر وأبقاه على الإباحة ، لأنّ صيد البحر ليس من حيوان الحرم ، إذ ليس في شيء من أرض الحرم بحر . وقد بينّا عند قوله تعالى : { يأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } [ المائدة : 95 ] أنّ أصل الحكمة في حرمة الصيد على المحرم هي حفظ حرمة الكعبة وحرمها .

ومعنى { أحلّ لكم صيد البحر } إبقاء حلّيّته لأنّه حلال من قبلِ الإحرام . والخطاب في { لكم } للذين آمنوا . والصيد هنا بمعنى المصيد ليجري اللفظ على سنن واحد في مواقعه في هذه الآيات ، أي أحلّ لكم قتله ، أي إمساكه من البحر .

والبحر يشمل الأنهار والأودية لأنّ جميعها يسمّى بحراً في لسان العرب . وقد قال الله تعالى : { وما يستوي البحران هذا عذب فرات } الآية . وليس العذب إلاّ الأنهار كدجلة والفرات . وصيد البحر : كلّ دوابّ الماء التي تصاد فيه ، فيكون إخراجها منه سبب موتها قريباً أو بعيداً . فأمّا ما يعيش في البرّ وفي الماء فليس من صيد البحر كالضفدع والسلحفاة ، ولا خلاف في هذا . أمّا الخلاف فيما يؤكل من صيد البحر وما لا يؤكل منه ، عند من يرى أنّ منه ما لا يؤكل ، فليس هذا موضع ذكره ، لأنّ الآية ليست بمثبتة لتحليل أكل صيد البحر ولكنّها منّبهة على عدم تحريمه في حال الإحرام .

وقوله : { وطعامه } عطف على { صيد البحر } . والضمير عائد إلى { البحر } ، أي وطعام البحر ، وعطفه اقتضى مغايرته للصيد . والمعنى : والتقاط طعامه أو وإمساكُ طعامه . وقد اختلف في المراد من « طعامه » . والذي روي عن جلّة الصحابة رضي الله عنهم : أنّ طعام البحر هو ما طفا عليه من ميتة إذا لم يكن سبب موته إمساك الصائد له . ومن العلماء من نقل عنه في تفسير طعام البحر غير هذا ممّا لا يلائم سياق الآية . وهؤلاء هم الذين حرّموا أكل ما يخرجه البحر ميّتاً ، ويردّ قولهم ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال في البحر : " هو الطهور ماؤه الحِلّ ميتته " وحديث جابر في الحوت المسمّى العنبر ، حين وجدوه ميّتاً ، وهم في غزوة ، وأكلوا منه ، وأخبروا رسول الله ، وأكل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وانتصب { متاعاً } على الحال .

والمتاع : ما يتمتّع به . والتمتّع : انتفاع بما يلذّ ويسرّ . والخطاب في قوله : { متاعاً لكم } للمخاطبين بقوله : { أحل لكم صيد البحر } باعتبار كونهم متناولين الصيد ، أي متاعاً للصائدين وللسيّارة .

والسيّارة : الجماعة السائرة في الأرض للسفر والتجارة ، مؤنث سيّار ، والتأنيث باعتبار الجماعة . قال تعالى : { وجاءت سيّارة } [ يوسف : 19 ] . والمعنى أحلّ لكم صيد البحر تتمتّعون بأكله ويتمتّع به المسافرون ، أي تبيعونه لمن يتّجرون ويجلبونه إلى الأمصار .

وقوله : { وحرّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرماً } زيادة تأكيد لتحريم الصيد ، تصريحاً بمفهوم قوله { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } [ المائدة : 95 ] ، ولبيان أنّ مدّة التحريم مدّة كونهم حُرُماً ، أي محرمين أو مارّين بحرم مكة . وهذا إيماء لتقليل مدّة التحريم استئناساً بتخفيف ، وإيماء إلى نعمة اقتصار تحريمه على تلك المدّة ، ولو شاء الله لحرّمه أبداً . وفي « الموطأ » : أنّ عائشة قالت لعروة بن الزبير : يا بن أختي إنّما هي عشر ليال ( أي مدّة الإحرام ) فإن تخلَّجَ في نفسك شيء فدعه . تعني أكل لحم الصيد .

وذيّل ذلك بقوله : { واتّقوا الله الذي إليه تحشرون } . وفي إجراء الوصف بالموصول وتلك الصلة تذكير بأنّ المرجع إلى الله ليعدّ الناس ما استطاعوا من الطاعة لذلك اللقاء .

والحشر : جمع الناس في مكان . والصيد مراد به المصيد ، كما تقدّم .

والتحريم متعلّق بقتله لقوله قبله { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } [ المائدة : 95 ] فلا يقتضي قوله : { وحرّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرماً } تحريم أكل صيد البرّ على المحرم إذا اشتراه من بائع أو ناوله رجل حلال إيّاه ، لأنّه قد علم أنّ التحريم متعلّق بمباشرة المحرم قتله في حال الإصابة . وقد أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحمار الذي صاده أبو قتادة ، كما في حديث « الموطأ » عن زيد بن أسلم . وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقسمة الحمار الذي صاده زيد البهزي بين الرفاق وهم محرمون . وعلى ذلك مضى عمل الصحابة ، وهو قول .

وأمّا ما صيد لأجل المحرم فقد ثبت أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ردّ على الصعب بن جَثّامة حماراً وحشياً أهداه إليه وقال له : " إنّا لم نردّه عليك إلاّ أنّا حُرُم " وقد اختلف الفقهاء في محل هذا الامتناع . فقيل : يحرم أن يأكله مَن صِيدَ لأجله لا غير . وهذا قول عثمان بن عفّان ، وجماعة من فقهاء المدينة ، ورواية عن مالك ، وهو الأظهر ، لأنّ الظاهر أنّ الضمير في قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إنّما لم نردّه عليك إلاّ أنّا حرم " أنّه عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحده ، لقوله « لم نردّه » ، وإنّما ردّه هو وحده . وقيل : يحرم على المحرم أكل ما صيد لمحرم غيره ، وهو قول بعض أهل المدينة ، وهو المشهور عن مالك . وكأنّ مستندهم في ذلك أنّه الاحتياط وقيل : لا يأكل المحرم صيداً صِيد في مدّة إحرامه ويأكل ما صِيد قبل ذلك ، ونسب إلى علي بن أبي طالب وابن عباس ، وقيل : يجوز للمحرم أكل الصيد مطلقاً ، وإنّما حرّم الله قتل الصيد ، وهو قول أبي حنيفة . والحاصل أنّ التنزّه عن أكل الصيد الذي صيد لأجل المحرم ثابت في السنّة بحديث الصعب بن جَثَّامة ، وهو محتمل كما علمت . والأصل في الامتناع الحِرمة لأنّه ، لو أراد التنزّه لقال : أمّا أنا فلا آكله ، كما قال في حديث خالد بن الوليد في الضبّ .