عندئذ - وبعد تنفيذ الأمر والنهوض بالتكليف - كشف الله لهم عن الغاية من الأمر والتكليف : ( وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها ، والله مخرج ما كنتم تكتمون ، فقلنا : اضربوه ببعضها . كذلك يحيي الله الموتى ، ويريكم آياته لعلكم تعقلون ) . .
وهنا نصل إلى الجانب الثاني من جوانب القصة . جانب دلالتها على قدرة الخالق ، وحقيقة البعث ، وطبيعة الموت والحياة . وهنا يتغير السياق من الحكاية إلى الخطاب والمواجهة :
لقد كشف الله لقوم موسى عن الحكمة من ذبح البقرة . . لقد كانوا قد قتلوا نفسا منهم ؛ ثم جعل كل فريق يدرأ عن نفسه التهمة ويلحقها بسواه . ولم يكن هناك شاهد ؛ فأراد الله أن يظهر الحق على لسان القتيل ذاته ؛ وكان ذبح البقرة وسيلة إلى إحيائه ، وذلك بضربه ببعض من تلك البقرة الذبيح . . وهكذا كان ، فعادت إليه الحياة ، ليخبر بنفسه عن قاتله ، وليجلو الريب والشكوك التي أحاطت بمقتله ؛ وليحق الحق ويبطل الباطل بأوثق البراهين .
قال البخاري : { فَادَّارَأْتُمْ } اختلفتم . وهكذا قال مجاهد فيما رواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن أبي حذيفة ، عن شبْل عن ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد ، أنه قال في قوله تعالى : { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا } اختلفتم .
وقال عطاء الخراساني ، والضحاك : اختصمتم فيها . وقال ابن جريج { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا } قال : قال بعضهم أنتم قتلتموه .
وقال آخرون : بل أنتم قتلتموه . وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم .
{ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قال مجاهد : ما تُغَيبُون . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو بن مسلم البصري ، حدثنا محمد بن الطفيل العبدي ، حدثنا صدقة بن رستم ، سمعت المسيب بن رافع يقول : ما عمل رجل حسنة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله ، وما عمل رجل سيئة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله ، وتصديق ذلك في كلام الله : { وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } .
{ وإذ قتلتم نفسا } خطابا للجميع لوجود القتل فيهم .
{ فادارأتم فيها } اختصمتم في شأنها ، إذ المتخاصمان يدفع بعضهما بعضا ، أو تدافعتم بأن طرح كل قتلها عن نفسه إلى صاحبه ، وأصله تدارأتم فأدغمت التاء في الدال واجتلبت لها همزة الوصل .
{ والله مخرج ما كنتم تكتمون } مظهره لا محالة ، وأعمل مخرج لأنه حكاية مستقبل كما أعمل { باسط ذراعيه } لأنه حكاية حال ماضية .
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ( 72 )
وقد تقدم قصص القتيل الذي يراد بقوله تعالى : { وإذ قتلتم نفساً } ، والمعنى قلنا لهم اذكروا إذ قتلتم .
و «ادارأتم » أصله : تدارأتم ، ثم أدغمت التاء في الدال فتعذر الابتداء بمدغم ، فجلبت ألف الوصل ، ومعناه تدافعتم أي دفع بعضكم قتل القتيل إلى بعض ، قال الشاعر : [ الرجز ]
صَادَفَ درءُ السَّيْلِ دَرْءاً يَدْفَعُهْ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ( {[798]} )
مدْرأٌ يدرأُ الخُصُومُ بقولٍ . . . مِثْلَ حَدِّ الصِّمْصَامَةِ الهُنْدُواني
والضمير في قوله : { فيها } عائد على النفس وقيل على القتلة ، وقرأ أبو حيوة وأبو السوار الغنوي «وإذ قتلتم نسمة( {[799]} ) فادّارأتم »( {[800]} ) ، وقرأت فرقة «فتدارأتم » على الأصل ، وموضع { ما } نصب بمخرج ، والمكتوم هو أمر المقتول .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.