تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَإِذۡ قَتَلۡتُمۡ نَفۡسٗا فَٱدَّـٰرَ ٰٔتُمۡ فِيهَاۖ وَٱللَّهُ مُخۡرِجٞ مَّا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ} (72)

الحياة

( وإذ قتلتم نفسا فادأرتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون( 72 ) فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون( 73 ) (

المفردات :

فادرأتم فيها : أي تدافعتم وتخاصمتم في شأنها وكل واحد يدرأ عن نفسه ويدعي البراءة ويتهم سواه .

والله مخرج ما كنتم تكتمون : أي مظهره مهما كتمتم .

التفسير :

72- وإذ قتلتم نفسا فادرأتم فيها . .

واذكروا يا بني إسرائيل إذ قتلتم نفسا ، فاختلفتم وتنازعتم في قتلها ، ودفع كل واحد منكم التهمة عن نفسه ، والله عز وجل لا محالة ما كتمتم من أمر القاتل فقد بين سبحانه الحق في ذلك فقال على لسان رسول موسى عليه السلام .

واضربوا القتيل بأي جزء من أجزاء البقرة ، فضربتموه ببعضها فعادت إليه الحياة بإذن الله ، واخبر عن قاتله ، وبمثل هذا الإحياء لذلك القتيل بعد موته يحيي الله الموتى للحساب والجزاء يوم القيامة ، ويبين لكم الدلائل الدالة على أنه قدير على كل شيء .

وجمهور المفسرين على أن واقعة قتل النفس وتنازعهم فيها حصلت قبل الأمر بذبح البقرة ، إلا أن القرآن الكريم أخرها في الذكر ليعدد على بني إسرائيل جناياتهم وليشوق النفوس إلى معرفة الحكمة من وراء الأمر بذبحها فتتقبلها بشغف واهتمام .

وقد أسند القرآن الكريم القتل إلى جميعهم في قوله : وإذ قتلتم . مع أن القاتل بعضهم ، للإشعار بأن الأمة في مجموعها وتكافلها كالشخص الواحد ، ولأن المسؤولية في القتل مشتركة بين الجميع حتى يتعين القاتل فيبرأ من عداه .

وقوله تعالى : والله مخرج ما كنتم تكتمون : معناه ، والله تعالى مظهر ومعلن ما كنتم تسترونه من أمر القتيل الذي قتلتموه ، ثم تنازعتم في شأن قاتله ، وذلك ليتبين القاتل الحقيقي بدون أن يظلم غيره .

وهذه الجملة الكريمة : والله مخرج ما كنتم تكتمون . معترضة بين قوله تعالى : فادارأتم . وبين قوله تعالى : فقلنا اضربوه ببعضها ، وفائدته إشعار المخاطبين قبل أن يسمعوا ما أمروا بفعله ، بأن القاتل الحقيقي سينكشف أمره لا محالة .

قال صاحب تفسير التحرير والتنوير : ( وإنما تعلقت إرادة الله بكشف حال من قتل هذا القتيل مع أنه ليس أول قتيل طل دمه في الأمم إكراما لموسى عليه السلام أن يضيع دم قومه وهو بين أظهرهم وبمرأى ومسمع منه ، لاسيما وقد قصد القاتلون استغفاله ودبروا المكيدة في إظهار المطالبة بدمه ، فلو لم يظهر الله تعالى هذا الدم ويبين سافكه لضعف يقين القوم برسولهم موسى عليه السلام ، ولكان ذلك مما يزيد شكهم في صدقه فينقلبوا كافرين . فكان إظهار القاتل الحقيقي إكراما من الله تعالى لموسى ورحمة بالقوم لئلا يضلوا ) ( 191 ) .